أوربا ومآذن السلام
عبد العزيز الكحلوت
ما الذي جرى لأوربا هذه الأيام ؟ سؤال يلح على خاطر كل مسلم أيا كان موقعه على الأرض , فأوربا الليبرالية التي لطالما تغنت بأنها رائدة عصر التنوير والحرية والحداثة وأم الثورات الكبرى ومدونات حقوق الإنسان , وأنها راعية حقوق الإنسان الأولى في عالم اليوم . تفاجيء المسلمين في القارة الأوربية وخارجها بتصرفات فردية وجمعيه شخصانية ومؤسسية فيها من العدوان على رموزهم ومقدساتهم واشخاصهم بما يضع كل هذه المزاعم تحت المجهر من جديد .
فالمتأمل لماجرى في أقل من عامين يجد العجب العجاب بدءا باعادة نشر الرسوم المتحركة الدانمركية على مواقع الانترنت وغيرها مرورا بالتمييز في فرنسا ضد المتجنسين ومقتل مروة الشربيني في ألمانيا والاعتداء على زوجها في قاعة المحكمة وعلى مرأى ومسمع من الحضور وانتهاءا بازدياد دعاوى المتطرفين واليمينيين في دول اوربية شتى باغلاق المساجد ومنع بناء المزيد منها , وحصول الاستفتاء على حظر المآذن في سويسرا على نحو 57.5 % ومحاولة اليمين الهولندي بزعامة غيرت فيلدرز اجراء استفتاء مماثل لحظر المآذن وحظر القرآن الكريم في هولندا .
وفي الوقت الذي يسمح فيه بالتطاول على رموز الاسلام وعناوينه الرئيسة يحظر على أي كان أن يتناول الهولوكست على غير النحو المقرر في اوربا من قبل اليهود منذ نهاية محكمة نورمبرج سواء من حيث العدد اوالطريقة , فلا يستطيع أيا كان ان يقلل من عدد اليهود الذين أعدمهم هتلر في أفران الغاز ولا ان يشكك في أفران الغاز وقد سنت بعض الدول الأوربية قوانين تجرم مثل هذه الأفعال او الاقوال كقانون جيسو في فرنسا .
وقد حاولت بعض الهيئات والمؤسسات العربية اختبار ذلك, فقد قامت الرابطة العربية الاوربية في هولندا بنشر رسوم تتعلق بالهولوكوست والمثليين وهتلر قبل 3 سنوات فطلب منها المدعي العام الهولندي إزالة الرسوم الخاصة بالهولوكوست لأنها تقول بأن الهولوكوست قصة مفبركة . ونفس هذا المدعي العام سمح بإعادة نشر الرسوم المسيئة لشخص سيدنا رسول الله (ص) , وحين سئل عن السبب الذي جعله يمنع رسوم الهولوكوست ويجيز الرسوم المسيئة للنبي (ص) , قال " إن الرسوم لاتخص إلا النبي (ص) وحده , ولا تقول أي شيء عن المسلمين كمجموعة , بينما رسوم الهولوكوست تخص كل اليهود " وواضح من أقوال المدعي العام استخدامه لمعايير مزدوجة إذ كيف يعتبر واقعة تاريخية يمكن أن يكون في تحقيقها أخذ ورد أمر أ يخص اليهود كلهم , بينما يعتبر نبي المسلمين (ص) شخصا لايخص إلا نفسه ولا يهم المسلمين كأمة .وانطلاقا من هذه المغالطة أعطى المدعي العام غيرت فيلدرز الحق ليتمكن من مواصلة نشر الرسوم المسيئة لمليار ونصف المليار مسلم بينما ألزم الرابطة العربية الاوربية بإزالة رسوم الهولوكوست .وفيما يشبه التناغم والعمل الجماعي دعا رسام الكاريكاتير الدانمركي ويستر جارد الذي قام بتنفيذ سلسلة الرسوم المسيئة للنبي (ص) غيرت فيلدرز إلى عرض الفيلم الذي أعده الأخير والذي يهاجم فيه القرآن الكريم , والذي كان لايعرف محتواه الحقيقي سوى ما صرح به فيلدرز نفسه حيث قال " إن القرآن الكريم كتاب فاشي يحرض على الإرهاب والقتل وعدم التسامح على حد كذبه , زاعما انه يشبه كتاب كفاحي لهتلر , بيد أن مجموعة قليلة من الصحفيين شاهدت مقاطع من الفيلم وقالت " إنه يربط بين العنف الذي مارسه المسلمون وبين القرآن الكريم ", وبالفعل سارع فيلدرز بعرض فيلمه " الفتنة " في مارس من العام 2008 وقد وضع فيه الاسلام ونبيه والمسلمين في إطار من الارهاب , فالقرآن يدعو للقتل والتدمير وإزهاق الارواح وكذلك النبي والمسلمون , وقد ربط الفيلم بين احداث الحادي عشر من سبتمبر وبعض التفجيرات وبين الاسلام والمسلمين , وكأنهما وجهان لعملة واحدة , وهو محض افتراء لاأساس له من الصحة , يراد منه تشويه الاسلام وتعبئة الرأي العام الأوربي ضده .
وفي نفس هذا السياق يقوم أكثر من واحد بالإساءة إلى الإسلام فقد قامت ألمانية تدعى دينا ميلاني بإنشاء مجموعة على الفيس بوك تدعو إلى تحقير القرآن الكريم والعياذ بالله وكراهية الاسلام والمسلمين واستقطاب المزيد من الحاقدين على الاسلام والمسلمين با عتبار أنهم – أي المسلمين – يريدون سرقة حرية أوربا .
وإذا تأملنا ماجرى ويجري في أوربا ومؤسساتها الرسمية وغير الحكومية وعلى مختلف المستويات نجد ازدواجية بين المواقف الرسمية للحكومات والمؤسسات الرسمية من ناحية وبين الأحزاب اليمينية والقومية وبعض الفئات من الذين تأثروا بنتائج أبحاث المراكز الأوربية الصهيونية التي تحاول بث موجة من الرعب والخوف من الاسلام والمسلمين فتصورهم كمجموعات إرهابية منتشرة في دول أوربا لاهم لها إلا إلحاق الأذى بالأوربيين وتحطيم أسس مجتمعاتهم وزعزعة أمنهم واستقرارهم والعمل على أسلمة أوربا . وفي احيان أخرى يعم الارتباك المواقف جميعها , وربما كانت الفوبيا من الاسلام مصدر ذلك كله , وعدم فهم الاسلام فهما موضوعيا صحيحا .
وإذا أخذنا بعض النماذج الاوربية بالفحص والتحليل نجد هذه الإزدواجية وهذا الارتباك واضحا للعيان .
فبلد مثل سويسرا مجموع سكانه 7 مليون نسمة منهم نحو 400 الف مسلم من اصول تنتمي إلى تركيا والبوسنة وكوسوفو لديهم مابين 130 إلى 160 مسجدا من بينها فقط 4 بمآذن , جرى فيها برعاية كل من حزب الشعب السويسري اليميني وهو أكبر الأحزاب في سويسرا , و الاتحاد الديمقراطي المسيحي الفيدرالي الإستفتاء على حظر بناء المآذن , وكان الاستفتاء الذي تم الترويج له بصور لمآذن تشبه الصواريخ وصور لنساء منتقبات , وهو ما اختزل الاسلام في هاتين الصورتين , قد نال 57,5 % إذ أظهرت النتائج أن اربعة كانتونات من أصل 26 يتألف منها الاتحاد السويسري رفضت الاقتراح بمنع اقامة المآذن في حين أيد 22 كانتونا اقتراح المنع الذي حظي بدعم هذين الحزبين , بما يعني أنه لم يبق إلا القليل ويصبح القانون نافذا . ويهيمن حزب الشعب اليميني بسويسرا على 62مقعدا من مجموع مقاعد المجلس الوطني (مجلس النواب ) البالغ عددها 200 مقعد بعد الانتخابات التي اجريت في 2 1 – 10 -2007 وهو ما سيشكل في المستقبل تحديا للمسلمين السويسريين (1) (الجارديان 19-10-2007)
بعض الصحف أيدت الاستفتاء وعكست موقف الشعب فقالت صحيفة " بوليتكا " الأكثر انتشارا في سويسرا " إن حظر بناء المآذن لايعني رفض الحرية الدينية , وأن على المهاجرين أن يبذلوا جهدا أكبر لكي يتكاملوا مع الشعب السويسري " وقالت الصحيفة في عنوان رئيسي " لاينبغي أن نخجل من أنفسنا " وقالت في مقالها الافتتاحي " نحتاج إلى اجابة واضحة على السؤال ما إذا كان المسلمون يقبلون نظامنا القانوني دون شروط ".
وفي الدانمرك كانت صحيفة داتش فولكسرانت قد قالت حين أثيرت قضية نشرفيلم فيلدرز المسيء للإسلام أو عدم نشره " لايوجد سياسي دانمركي يجرؤ على أن يقترح حجب هذا الفيلم لأن هذا يعني الإنتحار السياسي , والسياسي الدانمركي يعلم جيدا أنه لاينبغي الحد من حرية التعبير وعلى فيلدرز ان يعرض هذا الفيلم "
أما الموقف الرسمي للحكومة السويسرية فمختلف تماما فقد قالت ميتشيل كالماي وزيرة الخارجية السويسرية تعليقا على نتائج الإستفتاء " إن حظر المآذن يعرض أمن البلاد للخطر وينطوي على تمييز واضح ضد الأجانب في هذا البلد الأوربي ."
وقالت أمام اجتماع المجلس الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون في أوربا في اثينا أن كل " إساءة الى تعايش مختلف الثقافات والديانات يعرض أمننا للخطر , لأن الإستفزاز يستدعي استفزازات أخرى , والإهانة تؤجج التطرف " وأضافت : نحن قلقون بسبب هذا التصويت " وقدمت الوزيرة السويسرية تفسيرا لما جرى من شعبها وقالت : "إ نه رد فعل انطوائي ودفاعي في ظرف يتميز بالعولمة والأزمة الإقتصادية وتنامي البطالة " كما أعربت عن أسفها لأن حرية ممارسة الديانة الاسلامية تم التضييق عليها في مستوى تعبيراتها العلنية .وقالت " إنه يعود للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان - إذا تم اللجوء إليها – تقرير مدى ملاءمة الإجراء الدستوري السويسري الجديد مع الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان " واستطردت : إن هذا التصويت لايغير في شيء أهداف السياسة الخارجية السويسرية التي تقيم علاقات وثيقة في المستويات الإجتماعية والسياسية والاقتصادية مع البلدان الاسلامية "
وفي نفس هذا السياق جاء رد فعل المفوضة السامية لحقوق الانسان بالأمم المتحدة - على قرار حظر المآذن إذ قالت : إن الحظر الذي فرضته سويسرا على بناء المآذن يسبب الإنقسامات ويتعارض مع التزامات سويسرا القانونية الدولية " وقالت تاني بيلاي في بيان بالخصوص " إن حظر أي هيكل معماري ينتمي إلى الإسلام أو أي ديانة أخرى يعتبر بوضوح عملا يقوم على التمييز البغيض " واستطرد البيان " إن الحظر تمييزي وسبب للإنقسامات وخطوة تدعو إلى الأسف من جانب سويسرا وتخاطر بوضع البلاد على مسار تصادمي مع التزاماتها الدولية بشأن حقوق الإنسان "وقالت المفوضة السامية بيلاي " أتردد حين انتقد تصويتا ديمقراطيا لكنني لم أتردد هذه المرة على الإطلاق في إدانة المتاجرة بالتخويف من الأجانب التي ظهرت في الحملات السياسية في عدد من الدول الأوربية من بينها سويسرا وساعدت في ظهور نتائج مثل هذه .
ونفس الانتقاد لحظر بناء المآذن صدر من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة اذ قالت " إن الحظر سيضع سويسرا في موضع غير الملتزم بالاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية "وقد نشرت صحيفة الديلي تلجراف تصريحا لرئيس الجمعية البرلمانية للمجلس الاوربي " أندريس غروس" قال فيه ان قرار حظر المآذن في سويسرا " صفعة في وجه كل من لديه فكرة عن حقوق الإنسان " وأضاف إن هذا ينم عن نقص في المعلومات والتربية السياسية في سويسرا , ولهذا انجر الناخبون السويسريون وراء عواطفهم , وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن ديمقراطية سويسرا المباشرة قد فشلت من اساسها "( الديلي تلجراف 30-11-2009)
ونجد الأمر نفسه في بريطانيا حيث التاثر بالآعلام الموجه ضد المسلمين اشد فقد تقدم أكثر من 275 الف مواطن بريطاني بالتماسات على موقع رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون يحثونه فيها على رفض بناء مسجد كبير للمسلمين يتوقع ان يستوعب 12 الف مصل لا لأنه سيكون بجوار المكان الذي سيستضيف دورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012فحسب بل لأنه كذلك سيشكل منطقة عقيدة واحدة وسيبعد اتباع الديانات الاخرى كما يقول المنتقدون بحسب وكالة رويتر , وهناك من يقول إن المآذن تشكل رمزا لأسلمة أوربا أو أنها تشوه منظر المدينة , وثمة من يعتقد أنها مراكز للأرهابيين وانها تفرخ وتخرج ارهابيين محتملين في المستقبل , ويدعم هذا الاعتقاد عند المنتقدين أن جماعة التبليغ التي ستبني المسجد تمثل خطرا أمنيا لأن ريتشارد ريد الذي حاول تفجير طائرة بمتفجرات مخبأة في حذائه واثنين من المهاجمين الانتحاريين في الهجمات التي تعرضت لها لندن في يوليو تموز من العام 2005 كانوا ينتمون الى هذه الجماعة . وبالرغم من ذلك فإن موقف الحكومة البريطانية من بناء المساجد لايتقاطع مع مواقف الجماعات اليمينية والمتخوفة بنفس القدر . والاحتجاجات على بناء المساجد من الاحزاب اليمينية وبعض احزاب الوسط باتت تطال كل الدول الأوربية وقد شهدت المانيا في العام الماضي احتجاجات مناهضة للمساجد في كولونيا وبرلين وصوت مجلس محلي ضد بناء مسجد في ميونيخ , وتعهدت جماعة يمينية متطرفة بإقامة دعوى ضد مدينة مرسيليا لمساعدتها في بناء مسجد كبير , وفي ايطاليا ذكر تقرير امني ايطالي نشرته الصحف ان عدد المساجد والجمعيات الاسلامية في ايطاليا قد ارتفع من 696في نهاية العام 2006 إلى 735 في مايو 2007 بينما كان المجموع في عام 2000لا يزيد عن 351مكانا . (شبكة النبأ للمعلومات 15-8-2007) وبالرغم من أن التقرير قد أشار صراحة إلى أن معظم المساجد في ايطاليا ليست إلا أماكن متواضعة أو منعزلة , وأن مسلمي ايطاليا معتدلو التوجه ويراعون القوانين ومستعدون للإندماج والحوار – إلا أن رابطة الشمال اليمينية العنصرية طالبت بتفتيشها وإغلاقها وقال نائب رئيس مجلس الشيوخ الايطالي روبيرتو كالدرولي المنتمي لرابطة الشمال والمرتدي لقميص يحمل رسوما مسيئة للنبي (ص) " لابد من اغلاق اماكن العبادة الاسلامية وعدم اعادة فتحها الا بعد التاكد من عدم تشكيلها خطرا على ايطاليا كما دعا اندريا جبيللي وهو من الرابطة الى اجرء استفتاء لاغلاق اماكن تجمع المسلمين مدعيا ان المسلمين يستعمرون ايطاليا, وذكر بأن الرابطة كانت قد قدمت اقتراح قانون لمنع إقامة مساجد جديدة . وهكذا فإن التناقض واضح بين موقف الحكومة الايطالية وبين موقف رابطة الشمال . ( شبكة النبأ المعلوماتية 15 – 8 – 2007)
فالمتامل للموقفين الرسمي والشعبي يجد تباينا واختلافا بينهما , فالشعوب الاوربية متاثرة بالاعلام الموجه وبدعاوى اليمين المتطرف الداعية الى وقف الهجرة وطرد المهاجرين ومطالبة المقيمين بالاندماج الكامل في مجتمعاتهم وقطع صلاتهم بأصولهم , وهذه الأحزاب مع مراكز الأبحاث الأوربية الصهيونية , تبث الرعب من الاسلام وايديولوجيته وتتعمد الخلط بين الاسلام وبين ممارسات بعض المتطرفين المسلمين أو الذين ينتمون إلى الاسلام كعناصر القاعدة والخلايا المتطرفة التي تخرج بين الحين والآخر بمفاجآت إرهابية من العيار الثقيل فتلتقطها الاحزاب اليمينية والقومية الاوربية وتستخدمها لإذكاء ظاهرة الاسلاموفوبيا , وخير دليل على ذلك قيام حزب الشعب السويسري اليميني وحزب الاتحاد الديمقراطي الفيدرالي وكلاهما من الأحزاب الأوربية اليمينية – من الترويج للإستفتاء بحظر بناء المآذن من خلال صور لمآذن على شكل صواريخ ونساء منتقبات , بما يعني اختزال الإسلام في هاتين الصورتين ووصم الاسلام بالإرهاب .
وعلى الجانب الرسمي فإن موقف الحكومة السويسرية كان مغايرا فقد اعتبرت وزيرة الخارجية السويسرية كالمي نتيجة التصويت عملا " انطوائيا ودفاعيا " , أي أنه جاء نتيجة لمشاعر الخوف من المسلمين وكأثر من آثار المتاجرة الإعلامية التي تقوم بها الأحزاب اليمينية في الإنتخابات وفي ظل ارتفاع نسب البطالة وتفاقم الأزمة المالية خلال العامين الماضيين وهو ما يذكي ظاهرة الاسلاموفوبيا .
كما جاءت مواقف الحكومات و المنظمات الحقوقية الرسمية والأهلية في نفس السياق , حيث أعرب الجميع عن أسفه لنتيجة الاستفتاء , واعتبروه منافيا لحرية العقيدة , ومن ذلك تصريح الفاتيكان الذي اعتبر الاستفتاء " ضربة قاسية لحرية المعتقد " وتصريح وزير الخارجية الفرنسي برنار كورشنير الذي قال : " إن منع بناء المآذن يعد قمعا لأحدى الديانات "وتوالت تصريحات المسؤولين الاوربيين في نفس هذا السياق , فالحكومات الاوربية لاتحمل نفس الفوبيا التي تحملها الأحزاب اليمينية والجماعات المتطرفة وشرائح وفئات الشعوب الأوربية المتأثرة بها , والتي تستند على مجموعة ادعاءات ومصطلحات يروجها الأعلام الأوربي والصهيوني والتي لا أساس لها من الصحة , ومنها التخوف الكبير من أسلمة أوربا وسيطرة المسلمين عليها وقبل ان نناقش بطلان وفساد اطروحة " أسلمة أوربا " التي يروج لها اليمين ومن نحا نحوه نستعرض مجموعة من المصطلحات والادعاءات التي دأب الإعلام الغربي على مزجها بالآسلام لتكون مرادفا له وتعبيرا لصيقا به .
وقد نبهت صحيفة الجارديان البريطانية في مقال لإحدى كاتباتها عن خطورة ذلك فقالت في معرض حديثها عن التغيرات التي طرأت على استخدام المصطلحات في الغرب " فبعد أن كان مصطلح الشرق والغرب " مترادفين في الاستخدام , أصبح السائد هو " الاسلام والغرب " وفيما كانت مصطلحات تنسب للغرب مثل العقلانية والسماحة والتعددية والحرية بات التعصب والقمع مفردات تلصق بالاسلام وخلقت ايضا احداث 11 سبتمبر وما تلاها من اعلان واشنطن " الحرب على الإرهاب " أرضية خصبة لبعض المصطلحات التي يستخدمها الإعلام الغربي بدءا من الهجرة , والدمج العنصري , والمواطنة , , فضلا عن مفردات أخرى تنتهي في الانجليزية ب ism)الراديكالية – الأصولية –التطرف – الارهاب – الاسلاموية terroism-Islamism-radicalism-fundamentalism-extremism وكلها عائدة على الاسلام .(2) (الجارديان 19-10-2007)وهذه المصطلحات كلها تستخدم كلعبة للتلميح ضد الاسلام ولتخويف الشعوب الاوربية منه , أي انها ترسخ ميول واتجاهات وقيم معادية للإسلام والمسلمين . بالرغم من ان المسلمين جزء لايتجزأ من واقع اوربا , ومن حقهم أن يمارسوا صلواتهم في أماكن لائقة على عكس ما يفعلونه الآن حيث تقام الصلوات في الشوارع وأمام بعض المحلات وفي مواقف السيارات المغطاة والمصانع القديمة او بعض الشقق الضيقة .
إن أسلمة اوربا أكذوبة كبيرة تروجها الأحزاب اليمينية في لعبة الانتخابات وتتاجر بها بعض الأبواق الإعلامية .
ولا شك ان بعض الحكومات الاوربية تضيق الخناق على المسلمين حيث يظهر ذلك في الجدل الذي يدور بين وقت واخر حول بناء المساجد ومن التقارير الامنية التي تحاول الحكومات من خلالها رصد نشاط المسلمين , كما تخرج بين وقت واخر تصريحات تضر باجواء الحوار والتعايش بين الأديان من ذلك تصريح جورج جاينز فاين السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر اواخر يولية 2007 والتي حذر فيها من "أسلمة اوربا " وشدد على انه يتعين على اوربا الا تتجاهل جهود ادخال القيم الاسلامية في الغرب معتبرا ان هذا من شأنه تهديد هوية القارة المسيحية . ( نشرة ايلاف – 22 ديسمبر الكانون 2009)
ولا تفوت الأحزاب والجماعات اليمينية والمتطرفة فرصة إلا وتنتهزها للتخويف من المسلمين وتصويرهم كأرهابيين وكما ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية فقد شهدت الذكرى الأخيرة لهجمات 11 سبتمبر 2001 عدة مسيرات في مدن اوربية نظمها ما يعرف بتحالف " العمل من أجل وقف أسلمة أوربا " للمطالبة بوقف هجرة المسلمين إلى دول القارة الأوربية .
والمسلمون يعانون كثيرا من الظلم والتمييز ,
واسلمة اوربا اكذوبة تدحضها الحقائق العلمية والاحصاءات لعدة اسباب اولها أن المهاجرين الذين تقدر اعدادهم بالملايين ليسوا كلهم مسلمين بل أن اكثر من 65% منهم غير مسلمين وهؤلاء لاتثار بشأنهم الإشكاليات ولا يوصمون بالتطرف الذي يوصف به المسلمون , وفي اوربا وكندا والولايات المتحدة مهاجرين من كل أصقاع الأرض ومن كل الأعراق والأجناس فطبقا للإحصاء السكاني لعام 2001 الذي قامت به احصائيات كندا فهناك 34 مجموعة عرقية في كندا تضم كل واحدة منها على الأقل مائة الف عضو , ومن تلك المجموعات هناك عشر مجموعات تضم اكثر من مليون شخص ومنها المجموعة الاسيوية التي تشكل 16.2%من مجموع السكان منها اسيويين جنوبيين بنسبة 4 %وصينيين بنسبة 3.9%وفلبينيين بنسبة 1.1% وباقي للاعراق الاسيوية تشمل النسبة الباقية . وفي كندا مهاجرون اوربيون كثر منهم 10.8% ألمان و 4.63%ايطاليون و3.87 % اوكرانيون و 3.87 هولنديون و 3.15 % بولنديون و 1.6 روسيون و 1.38 %نرويجيون و 1ز32 % برتغاليون و 1.07% سويديون , وفي عام 2007 استقبلت كندا نحو 237 الف مهاجر من جنسيات مختلفة ( شبكة النبأ المعلوماتية 6-4-2006 ) جاءت من الولايات المتحدة الامريكية والصين والفلبين وباكستان والهند وبريطانيا وايران وكوريا الجنوبية وفرنسا ورومانيا وروسيا ودول أخرى . فالهجرة ظاهرة عالمية لاتتوقف تزداد وتائرها أحيانا وتنخفض في أحايين أخرى طبقا لعوامل الطرد والجذب , ولا يمكن لبلد ما ان تحكم اغلاق حدودها بالكامل خاصة في عصر العولمة والفضاءات المفتوحة .
واذا تفحصنا حركة الهجرة في اوربا نجدها نشيطة فقد استقبلت اوربا في عام واحد من الخارج وفيما بينها ملايين المهاجرين وهؤلاء المهاجرون ليسوا جميعا من خارج القارة الاوربية بل إن معظم هذه الهجرات هي من دول اوربية الى دول اوربية اخرى فقد هاجر من بريطانيا الى اسبانيا نحو 700 الف بريطاني وهاجرت اعداد كبيرة من اوربا الشرقية الى دول اوربا الغربية او الى دول الاتحاد الاوربي بالاحرى كما تتفاوت البلدان الاوربية في استقبال المهاجرين وتاتي اسبانيا في مقدمة الدول المستقبلة للمهاجرين الافارقة وذلك بسبب قربها من افريقيا وبسبب مستعمرتيها المغربيتين سبتة ومليلة ومستعمراتها الاخرى في جزر الكناري وطبقا لمكتب الاحصاء الاوربي يوروستات فان الاقتصاد الاسباني اسهم في توفير مايزيد عن نصف اجمالي الوظائف الجديدة في اوربا على مدار الخمس سنوات الماضية وهو ما ساعد اسبانيا في استقبال اعداد كبيرة من المهاجرين , وفي عام 2005 دخل الاتحاد الاوربي 1.8 مليون مهاجر مثلوا نحو 85 % من النمو السكاني الكلي في اوربا وفي عام 2004 بلغ عدد المهاجرين الى فرنسا 140.0333شخص وكان من بين هؤلاء 90.250 من افريقيا و13.710من اوربا وفي عام 2005 انخفضت اعداد الهجرة الى فرنسا انخفاضا طفيفا حيث وصلت 135.890شخصا وفي السنوات الاخيرة مثلت الهجرة اكثر من نصف النمو السكاني في النرويج وفي عام 2006 سجل مكتب احصاء الهجرة في النرويج 45.800مهاجر وهو معدل اعلى بنسبة 30% عن العام 2005 وفي بداية 2007 كان هناك 415.300 شخص في النرويج له اصول مهاجرة ومتلت هذه الفئة 8.3 %من جملة السكان .
وقد انهالت دول اوربا الشرقية على دول الاتحاد الاوربي وعلى غيرها فبعد انضمام بولندا للإتحاد في عام 2004 هاجر في بداية العام 2007 أكثر من 375 ألف مهاجر بولندي إلى المملكة المتحدة بالرغم من وجود نحو 500 الف بولندي يعملون بالفعل في بريطانيا قبل هذا التاريخ , وما ينطبق على بريطانيا ينطبق على دول الاتحاد الاوربي الأخرى .
والمهاجرون هم بلاشك وقود النمو السكاني الذي ربما سيخلص أوربا من الإنقراض أو على الأقل سيحافظ عليها كمجتمعات متماسكة ومحتفظة بهويتها , فمعظم دول اوربا تعاني إما من حالات جمود سكاني وإما من نقص حاد في معدل الزيادة الطبيعية نتيجة لضعف الخصوبة واسباب أخرى , كما يحافظ المهاجرون على معدل نمو اقتصادي مقبول لدول الاتحاد , خاصة وأن الهرم السكاني الأوربي يزداد سمكا عند قمته بزيادة أعداد المعمرين الذين يستهلكون ولا ينتجون . وستظل هذه المشكلة قائمة حنى ولو تم رفع سن التقاعد الى 70 سنة لأن العمر المتوقع عند الميلاد هو الآخر ارتفع وسيرتفع الى اكثر من ثمانين عاما .
ومصادر الامم المتحدة تتوقع بالفعل ان يكون المهاجرون مصدر اي نمو سكاني تشهده معظم الدول المتقدمة وخاصة في اوربا على مدى الاعوام الثلاثين القادمة (المصدر : تقرير الأمم المتحدة للسكان )
وهذا ما جاء في تقرير ادارة السكان بالأمم المتحدة , وحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن معدل النمو في المانيا فيما بين (2005 – 2010) (-0.07) وبلغاريا (-0,72)واوكرانيا (-76,.)وجورجيا (-97,.)والتشيك (-0,03)وايطاليا (13, 0 )وهولندا (29,.) وفرنسا (0,49) وواضح من هذه الارقام ومن باقي الأرقام أن المهاجرين الى اوربا ليسوا كلهم مسلمين بل إن الاكثرية الكاثرة من غيرهم وأن اوربا الشرقية لن تكون قادرة على مد اوربا باليد العاملة اللازمة للحفاظ على معدل نمو مستمر بسبب انخفاض معدلات النمو السكاني فيها , واذا اخذنا في الاعتبار ازدياد اعداد المعمرين فإن الحاجة الى المهاجرين الذين هم في سن العمل تبقى ملحة وقد اظهرت استطلاعات الرأي العام أن نسبة كبيرة من الرأي العام الاوربي يتفق مع الحكومات على ضرورة استقبال المهاجرين للحفاظ على النمو السكاني الاوربي وعلى النمو الاقتصادي كليهما . والسؤال الذي يطرح نفسه هو : اذن ماهي المشكلة ؟
تكمن المشكلة في الهجرة من الدول الاسلامية , فقد ربطت الجماعات الاوربية اليمينية والمتطرفة بين المسلمين والارهاب , فأطلقت هذه الجماعات والأحزاب فزاعة الخوف من الاسلام والمسلمين وربطت بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبعض تفجيرات القاعدة وغيرها من الحركات المتطرفة التي لاتخلو ديانة من مثلها وبين المسلمين مطبقة نظرية الارتباط الشرطي , فرؤية مسلم في شوارع أوربا معناه توقع عمل ارهابي , وشعور بالخوف , وهكذا نجحت الجماعات اليمينية في تطبيق النظرية وتعميم النظرة , فكل مسلم مهما كان وديعا إنما هو ارهابي راهن أو مشروع إرهابي قادم , ولا ينبغي بالتالي أن ينظر إليه كجزء من المجتمع الاوربي لابد أن يكفل له المجتمع حرية المعتقد وحرية التنقل وحرية التعبير الخ شأنه في ذلك شأن باقي أفراد المجتمع .
وتعد أسلمة اوربا احدى أهم المخاوف التي تشغل الرأي العام الأوربي بسبب ما تروجه وسائل الأعلام التي تمتلكها الجماعات اليمينية والمراكز البحثية الصهيو اوربية والتي يهمها اساءة العلاقة بين المسلمين الأوربيين وغيرهم من المواطنين الآخرين , وإذا أخذنا بريطانيا مثلا على ذلك فإننا نجد بها أكثر من منظمة تحريض ضد المسلمين ودينهم ووجودهم وتتخذ من اسلمة اوربا فزاعة تثير بها الراي العام ضد المسلمين ومساجدهم وتجمعاتهم ويكاد لايخلو بلد اوربي من جماعات او منظمات يمينية أو قومية معادية للمسلمين , ففي بريطانيا هناك رابطة الدفاع عن اللغة الانجليزية " و" منظمة وقف أسلمة اوربا " والحزب القومي البريطاني " , وهذه المنظمات او الجماعات تتعمد مهاجمة المسلمين واثارتهم لتمارس ضدهم العنف مستعينة ببعض شرائح المجتمع الانجليزي ففي الذكرى الثامنة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر , تظاهر المئات من انصار المنظمات المذكورة أمام مسجد هارو غربي لندن ضد ما أسموه " أسلمة بريطانيا " رافعين أعلام بريطانيا وامريكا وإسرائيل , وازاء ذلك سارع المسلمون بالتجمع في المسجد للإحتجاج على العنصرية والفاشية فوقعت الاشتباكات بين الفريقين , وقد توسعت هذه الجماعات في تحركاتها العنصرية حيث لم تعد تقتصر على التظاهر وإنما امتدت لتشمل مهاجمة محال للمسلمين من أصول باكستانية وآسيوية , وتحطيم نوافذ السيارات وتهديد المارة , وتعبئة مشجعي كرة القدم الانجليزية المشاغبين ( الهوليجانز ) وتهييجهم ليمارسوا العنف ضد المسلمين . ولا تقتصر فزاعة اسلمة اوربا على المنظمات والجماعات والاحزابي اليمينية والقومية بل ترتفع أصوات كنسية ذات تأثير كبير لتخوف المجتمع الأوربي من " الأسلمة " ففي مقابلة مع مجلة زودويتشة تشايتونج الألمانية أعرب جيورج جاينز فاين السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان عن رفضه لأسلمة أوربا , وأضاف بأن اوربا لا ينبغي أن تتجاهل المحاولات الرامية لإدخال القيم الاسلامية لأن من شأن ذلك تهديد هوية القارة . وهناك في اوربا اليوم من لا يؤمن البتة بإمكانية اندماج المسلمين في مجتمعاتهم ويعتبرون الاسلام من أكبر العوائق التي تحول دون ذلك , ويحلو لهؤلاء استخدام تعبير ديجول الذي يقول بأن دمج المسلمين في فرنسا يشبه دمج الخل بالزيت , فمهما رججنا الزجاجة فسيبقى الخل على ماهو عليه وسيبقى الزيت على ماهو عليه ( عن كتاب – هكذا كان ديجول – لبيير لافيت ج 1 ايفان رفبول – الفيجارو الفرنسية ) , فمثل هذه التوجهات والممارسات والتصريحات مع احداث الحادي عشر من سبتمبر وما يقوم به المتطرفون المسلمون – كل ذلك يؤجج العداء ضد المسلمين ويطرح بشدة موضوعة أسلمة أوربا والسؤال الذي يطرح نفسه : هل سيحول المسلمون اوربا إلى الاسلام ؟ وبتعبير آخر هل الأسلمة حقيقة أم أكذوبة ؟
أوربا ومآذن السلام
عبد العزيز الكحلوت
ما الذي جرى لأوربا هذه الأيام ؟ سؤال يلح على خاطر كل مسلم أيا كان موقعه على الأرض , فأوربا الليبرالية التي لطالما تغنت بأنها رائدة عصر التنوير والحرية والحداثة وأم الثورات الكبرى ومدونات حقوق الإنسان , وأنها راعية حقوق الإنسان الأولى في عالم اليوم . تفاجيء المسلمين في القارة الأوربية وخارجها بتصرفات فردية وجمعيه شخصانية ومؤسسية فيها من العدوان على رموزهم ومقدساتهم واشخاصهم بما يضع كل هذه المزاعم تحت المجهر من جديد .
فالمتأمل لماجرى في أقل من عامين يجد العجب العجاب بدءا باعادة نشر الرسوم المتحركة الدانمركية على مواقع الانترنت وغيرها مرورا بالتمييز في فرنسا ضد المتجنسين ومقتل مروة الشربيني في ألمانيا والاعتداء على زوجها في قاعة المحكمة وعلى مرأى ومسمع من الحضور وانتهاءا بازدياد دعاوى المتطرفين واليمينيين في دول اوربية شتى باغلاق المساجد ومنع بناء المزيد منها , وحصول الاستفتاء على حظر المآذن في سويسرا على نحو 57.5 % ومحاولة اليمين الهولندي بزعامة غيرت فيلدرز اجراء استفتاء مماثل لحظر المآذن وحظر القرآن الكريم في هولندا .
وفي الوقت الذي يسمح فيه بالتطاول على رموز الاسلام وعناوينه الرئيسة يحظر على أي كان أن يتناول الهولوكست على غير النحو المقرر في اوربا من قبل اليهود منذ نهاية محكمة نورمبرج سواء من حيث العدد اوالطريقة , فلا يستطيع أيا كان ان يقلل من عدد اليهود الذين أعدمهم هتلر في أفران الغاز ولا ان يشكك في أفران الغاز وقد سنت بعض الدول الأوربية قوانين تجرم مثل هذه الأفعال او الاقوال كقانون جيسو في فرنسا .
وقد حاولت بعض الهيئات والمؤسسات العربية اختبار ذلك, فقد قامت الرابطة العربية الاوربية في هولندا بنشر رسوم تتعلق بالهولوكوست والمثليين وهتلر قبل 3 سنوات فطلب منها المدعي العام الهولندي إزالة الرسوم الخاصة بالهولوكوست لأنها تقول بأن الهولوكوست قصة مفبركة . ونفس هذا المدعي العام سمح بإعادة نشر الرسوم المسيئة لشخص سيدنا رسول الله (ص) , وحين سئل عن السبب الذي جعله يمنع رسوم الهولوكوست ويجيز الرسوم المسيئة للنبي (ص) , قال " إن الرسوم لاتخص إلا النبي (ص) وحده , ولا تقول أي شيء عن المسلمين كمجموعة , بينما رسوم الهولوكوست تخص كل اليهود " وواضح من أقوال المدعي العام استخدامه لمعايير مزدوجة إذ كيف يعتبر واقعة تاريخية يمكن أن يكون في تحقيقها أخذ ورد أمر أ يخص اليهود كلهم , بينما يعتبر نبي المسلمين (ص) شخصا لايخص إلا نفسه ولا يهم المسلمين كأمة .وانطلاقا من هذه المغالطة أعطى المدعي العام غيرت فيلدرز الحق ليتمكن من مواصلة نشر الرسوم المسيئة لمليار ونصف المليار مسلم بينما ألزم الرابطة العربية الاوربية بإزالة رسوم الهولوكوست .وفيما يشبه التناغم والعمل الجماعي دعا رسام الكاريكاتير الدانمركي ويستر جارد الذي قام بتنفيذ سلسلة الرسوم المسيئة للنبي (ص) غيرت فيلدرز إلى عرض الفيلم الذي أعده الأخير والذي يهاجم فيه القرآن الكريم , والذي كان لايعرف محتواه الحقيقي سوى ما صرح به فيلدرز نفسه حيث قال " إن القرآن الكريم كتاب فاشي يحرض على الإرهاب والقتل وعدم التسامح على حد كذبه , زاعما انه يشبه كتاب كفاحي لهتلر , بيد أن مجموعة قليلة من الصحفيين شاهدت مقاطع من الفيلم وقالت " إنه يربط بين العنف الذي مارسه المسلمون وبين القرآن الكريم ", وبالفعل سارع فيلدرز بعرض فيلمه " الفتنة " في مارس من العام 2008 وقد وضع فيه الاسلام ونبيه والمسلمين في إطار من الارهاب , فالقرآن يدعو للقتل والتدمير وإزهاق الارواح وكذلك النبي والمسلمون , وقد ربط الفيلم بين احداث الحادي عشر من سبتمبر وبعض التفجيرات وبين الاسلام والمسلمين , وكأنهما وجهان لعملة واحدة , وهو محض افتراء لاأساس له من الصحة , يراد منه تشويه الاسلام وتعبئة الرأي العام الأوربي ضده .
وفي نفس هذا السياق يقوم أكثر من واحد بالإساءة إلى الإسلام فقد قامت ألمانية تدعى دينا ميلاني بإنشاء مجموعة على الفيس بوك تدعو إلى تحقير القرآن الكريم والعياذ بالله وكراهية الاسلام والمسلمين واستقطاب المزيد من الحاقدين على الاسلام والمسلمين با عتبار أنهم – أي المسلمين – يريدون سرقة حرية أوربا .
وإذا تأملنا ماجرى ويجري في أوربا ومؤسساتها الرسمية وغير الحكومية وعلى مختلف المستويات نجد ازدواجية بين المواقف الرسمية للحكومات والمؤسسات الرسمية من ناحية وبين الأحزاب اليمينية والقومية وبعض الفئات من الذين تأثروا بنتائج أبحاث المراكز الأوربية الصهيونية التي تحاول بث موجة من الرعب والخوف من الاسلام والمسلمين فتصورهم كمجموعات إرهابية منتشرة في دول أوربا لاهم لها إلا إلحاق الأذى بالأوربيين وتحطيم أسس مجتمعاتهم وزعزعة أمنهم واستقرارهم والعمل على أسلمة أوربا . وفي احيان أخرى يعم الارتباك المواقف جميعها , وربما كانت الفوبيا من الاسلام مصدر ذلك كله , وعدم فهم الاسلام فهما موضوعيا صحيحا .
وإذا أخذنا بعض النماذج الاوربية بالفحص والتحليل نجد هذه الإزدواجية وهذا الارتباك واضحا للعيان .
فبلد مثل سويسرا مجموع سكانه 7 مليون نسمة منهم نحو 400 الف مسلم من اصول تنتمي إلى تركيا والبوسنة وكوسوفو لديهم مابين 130 إلى 160 مسجدا من بينها فقط 4 بمآذن , جرى فيها برعاية كل من حزب الشعب السويسري اليميني وهو أكبر الأحزاب في سويسرا , و الاتحاد الديمقراطي المسيحي الفيدرالي الإستفتاء على حظر بناء المآذن , وكان الاستفتاء الذي تم الترويج له بصور لمآذن تشبه الصواريخ وصور لنساء منتقبات , وهو ما اختزل الاسلام في هاتين الصورتين , قد نال 57,5 % إذ أظهرت النتائج أن اربعة كانتونات من أصل 26 يتألف منها الاتحاد السويسري رفضت الاقتراح بمنع اقامة المآذن في حين أيد 22 كانتونا اقتراح المنع الذي حظي بدعم هذين الحزبين , بما يعني أنه لم يبق إلا القليل ويصبح القانون نافذا . ويهيمن حزب الشعب اليميني بسويسرا على 62مقعدا من مجموع مقاعد المجلس الوطني (مجلس النواب ) البالغ عددها 200 مقعد بعد الانتخابات التي اجريت في 2 1 – 10 -2007 وهو ما سيشكل في المستقبل تحديا للمسلمين السويسريين (1) (الجارديان 19-10-2007)
بعض الصحف أيدت الاستفتاء وعكست موقف الشعب فقالت صحيفة " بوليتكا " الأكثر انتشارا في سويسرا " إن حظر بناء المآذن لايعني رفض الحرية الدينية , وأن على المهاجرين أن يبذلوا جهدا أكبر لكي يتكاملوا مع الشعب السويسري " وقالت الصحيفة في عنوان رئيسي " لاينبغي أن نخجل من أنفسنا " وقالت في مقالها الافتتاحي " نحتاج إلى اجابة واضحة على السؤال ما إذا كان المسلمون يقبلون نظامنا القانوني دون شروط ".
وفي الدانمرك كانت صحيفة داتش فولكسرانت قد قالت حين أثيرت قضية نشرفيلم فيلدرز المسيء للإسلام أو عدم نشره " لايوجد سياسي دانمركي يجرؤ على أن يقترح حجب هذا الفيلم لأن هذا يعني الإنتحار السياسي , والسياسي الدانمركي يعلم جيدا أنه لاينبغي الحد من حرية التعبير وعلى فيلدرز ان يعرض هذا الفيلم "
أما الموقف الرسمي للحكومة السويسرية فمختلف تماما فقد قالت ميتشيل كالماي وزيرة الخارجية السويسرية تعليقا على نتائج الإستفتاء " إن حظر المآذن يعرض أمن البلاد للخطر وينطوي على تمييز واضح ضد الأجانب في هذا البلد الأوربي ."
وقالت أمام اجتماع المجلس الوزاري لمنظمة الأمن والتعاون في أوربا في اثينا أن كل " إساءة الى تعايش مختلف الثقافات والديانات يعرض أمننا للخطر , لأن الإستفزاز يستدعي استفزازات أخرى , والإهانة تؤجج التطرف " وأضافت : نحن قلقون بسبب هذا التصويت " وقدمت الوزيرة السويسرية تفسيرا لما جرى من شعبها وقالت : "إ نه رد فعل انطوائي ودفاعي في ظرف يتميز بالعولمة والأزمة الإقتصادية وتنامي البطالة " كما أعربت عن أسفها لأن حرية ممارسة الديانة الاسلامية تم التضييق عليها في مستوى تعبيراتها العلنية .وقالت " إنه يعود للمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان - إذا تم اللجوء إليها – تقرير مدى ملاءمة الإجراء الدستوري السويسري الجديد مع الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان " واستطردت : إن هذا التصويت لايغير في شيء أهداف السياسة الخارجية السويسرية التي تقيم علاقات وثيقة في المستويات الإجتماعية والسياسية والاقتصادية مع البلدان الاسلامية "
وفي نفس هذا السياق جاء رد فعل المفوضة السامية لحقوق الانسان بالأمم المتحدة - على قرار حظر المآذن إذ قالت : إن الحظر الذي فرضته سويسرا على بناء المآذن يسبب الإنقسامات ويتعارض مع التزامات سويسرا القانونية الدولية " وقالت تاني بيلاي في بيان بالخصوص " إن حظر أي هيكل معماري ينتمي إلى الإسلام أو أي ديانة أخرى يعتبر بوضوح عملا يقوم على التمييز البغيض " واستطرد البيان " إن الحظر تمييزي وسبب للإنقسامات وخطوة تدعو إلى الأسف من جانب سويسرا وتخاطر بوضع البلاد على مسار تصادمي مع التزاماتها الدولية بشأن حقوق الإنسان "وقالت المفوضة السامية بيلاي " أتردد حين انتقد تصويتا ديمقراطيا لكنني لم أتردد هذه المرة على الإطلاق في إدانة المتاجرة بالتخويف من الأجانب التي ظهرت في الحملات السياسية في عدد من الدول الأوربية من بينها سويسرا وساعدت في ظهور نتائج مثل هذه .
ونفس الانتقاد لحظر بناء المآذن صدر من لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة اذ قالت " إن الحظر سيضع سويسرا في موضع غير الملتزم بالاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية "وقد نشرت صحيفة الديلي تلجراف تصريحا لرئيس الجمعية البرلمانية للمجلس الاوربي " أندريس غروس" قال فيه ان قرار حظر المآذن في سويسرا " صفعة في وجه كل من لديه فكرة عن حقوق الإنسان " وأضاف إن هذا ينم عن نقص في المعلومات والتربية السياسية في سويسرا , ولهذا انجر الناخبون السويسريون وراء عواطفهم , وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن ديمقراطية سويسرا المباشرة قد فشلت من اساسها "( الديلي تلجراف 30-11-2009)
ونجد الأمر نفسه في بريطانيا حيث التاثر بالآعلام الموجه ضد المسلمين اشد فقد تقدم أكثر من 275 الف مواطن بريطاني بالتماسات على موقع رئيس الوزراء البريطاني جوردون براون يحثونه فيها على رفض بناء مسجد كبير للمسلمين يتوقع ان يستوعب 12 الف مصل لا لأنه سيكون بجوار المكان الذي سيستضيف دورة الألعاب الأولمبية في لندن عام 2012فحسب بل لأنه كذلك سيشكل منطقة عقيدة واحدة وسيبعد اتباع الديانات الاخرى كما يقول المنتقدون بحسب وكالة رويتر , وهناك من يقول إن المآذن تشكل رمزا لأسلمة أوربا أو أنها تشوه منظر المدينة , وثمة من يعتقد أنها مراكز للأرهابيين وانها تفرخ وتخرج ارهابيين محتملين في المستقبل , ويدعم هذا الاعتقاد عند المنتقدين أن جماعة التبليغ التي ستبني المسجد تمثل خطرا أمنيا لأن ريتشارد ريد الذي حاول تفجير طائرة بمتفجرات مخبأة في حذائه واثنين من المهاجمين الانتحاريين في الهجمات التي تعرضت لها لندن في يوليو تموز من العام 2005 كانوا ينتمون الى هذه الجماعة . وبالرغم من ذلك فإن موقف الحكومة البريطانية من بناء المساجد لايتقاطع مع مواقف الجماعات اليمينية والمتخوفة بنفس القدر . والاحتجاجات على بناء المساجد من الاحزاب اليمينية وبعض احزاب الوسط باتت تطال كل الدول الأوربية وقد شهدت المانيا في العام الماضي احتجاجات مناهضة للمساجد في كولونيا وبرلين وصوت مجلس محلي ضد بناء مسجد في ميونيخ , وتعهدت جماعة يمينية متطرفة بإقامة دعوى ضد مدينة مرسيليا لمساعدتها في بناء مسجد كبير , وفي ايطاليا ذكر تقرير امني ايطالي نشرته الصحف ان عدد المساجد والجمعيات الاسلامية في ايطاليا قد ارتفع من 696في نهاية العام 2006 إلى 735 في مايو 2007 بينما كان المجموع في عام 2000لا يزيد عن 351مكانا . (شبكة النبأ للمعلومات 15-8-2007) وبالرغم من أن التقرير قد أشار صراحة إلى أن معظم المساجد في ايطاليا ليست إلا أماكن متواضعة أو منعزلة , وأن مسلمي ايطاليا معتدلو التوجه ويراعون القوانين ومستعدون للإندماج والحوار – إلا أن رابطة الشمال اليمينية العنصرية طالبت بتفتيشها وإغلاقها وقال نائب رئيس مجلس الشيوخ الايطالي روبيرتو كالدرولي المنتمي لرابطة الشمال والمرتدي لقميص يحمل رسوما مسيئة للنبي (ص) " لابد من اغلاق اماكن العبادة الاسلامية وعدم اعادة فتحها الا بعد التاكد من عدم تشكيلها خطرا على ايطاليا كما دعا اندريا جبيللي وهو من الرابطة الى اجرء استفتاء لاغلاق اماكن تجمع المسلمين مدعيا ان المسلمين يستعمرون ايطاليا, وذكر بأن الرابطة كانت قد قدمت اقتراح قانون لمنع إقامة مساجد جديدة . وهكذا فإن التناقض واضح بين موقف الحكومة الايطالية وبين موقف رابطة الشمال . ( شبكة النبأ المعلوماتية 15 – 8 – 2007)
فالمتامل للموقفين الرسمي والشعبي يجد تباينا واختلافا بينهما , فالشعوب الاوربية متاثرة بالاعلام الموجه وبدعاوى اليمين المتطرف الداعية الى وقف الهجرة وطرد المهاجرين ومطالبة المقيمين بالاندماج الكامل في مجتمعاتهم وقطع صلاتهم بأصولهم , وهذه الأحزاب مع مراكز الأبحاث الأوربية الصهيونية , تبث الرعب من الاسلام وايديولوجيته وتتعمد الخلط بين الاسلام وبين ممارسات بعض المتطرفين المسلمين أو الذين ينتمون إلى الاسلام كعناصر القاعدة والخلايا المتطرفة التي تخرج بين الحين والآخر بمفاجآت إرهابية من العيار الثقيل فتلتقطها الاحزاب اليمينية والقومية الاوربية وتستخدمها لإذكاء ظاهرة الاسلاموفوبيا , وخير دليل على ذلك قيام حزب الشعب السويسري اليميني وحزب الاتحاد الديمقراطي الفيدرالي وكلاهما من الأحزاب الأوربية اليمينية – من الترويج للإستفتاء بحظر بناء المآذن من خلال صور لمآذن على شكل صواريخ ونساء منتقبات , بما يعني اختزال الإسلام في هاتين الصورتين ووصم الاسلام بالإرهاب .
وعلى الجانب الرسمي فإن موقف الحكومة السويسرية كان مغايرا فقد اعتبرت وزيرة الخارجية السويسرية كالمي نتيجة التصويت عملا " انطوائيا ودفاعيا " , أي أنه جاء نتيجة لمشاعر الخوف من المسلمين وكأثر من آثار المتاجرة الإعلامية التي تقوم بها الأحزاب اليمينية في الإنتخابات وفي ظل ارتفاع نسب البطالة وتفاقم الأزمة المالية خلال العامين الماضيين وهو ما يذكي ظاهرة الاسلاموفوبيا .
كما جاءت مواقف الحكومات و المنظمات الحقوقية الرسمية والأهلية في نفس السياق , حيث أعرب الجميع عن أسفه لنتيجة الاستفتاء , واعتبروه منافيا لحرية العقيدة , ومن ذلك تصريح الفاتيكان الذي اعتبر الاستفتاء " ضربة قاسية لحرية المعتقد " وتصريح وزير الخارجية الفرنسي برنار كورشنير الذي قال : " إن منع بناء المآذن يعد قمعا لأحدى الديانات "وتوالت تصريحات المسؤولين الاوربيين في نفس هذا السياق , فالحكومات الاوربية لاتحمل نفس الفوبيا التي تحملها الأحزاب اليمينية والجماعات المتطرفة وشرائح وفئات الشعوب الأوربية المتأثرة بها , والتي تستند على مجموعة ادعاءات ومصطلحات يروجها الأعلام الأوربي والصهيوني والتي لا أساس لها من الصحة , ومنها التخوف الكبير من أسلمة أوربا وسيطرة المسلمين عليها وقبل ان نناقش بطلان وفساد اطروحة " أسلمة أوربا " التي يروج لها اليمين ومن نحا نحوه نستعرض مجموعة من المصطلحات والادعاءات التي دأب الإعلام الغربي على مزجها بالآسلام لتكون مرادفا له وتعبيرا لصيقا به .
وقد نبهت صحيفة الجارديان البريطانية في مقال لإحدى كاتباتها عن خطورة ذلك فقالت في معرض حديثها عن التغيرات التي طرأت على استخدام المصطلحات في الغرب " فبعد أن كان مصطلح الشرق والغرب " مترادفين في الاستخدام , أصبح السائد هو " الاسلام والغرب " وفيما كانت مصطلحات تنسب للغرب مثل العقلانية والسماحة والتعددية والحرية بات التعصب والقمع مفردات تلصق بالاسلام وخلقت ايضا احداث 11 سبتمبر وما تلاها من اعلان واشنطن " الحرب على الإرهاب " أرضية خصبة لبعض المصطلحات التي يستخدمها الإعلام الغربي بدءا من الهجرة , والدمج العنصري , والمواطنة , , فضلا عن مفردات أخرى تنتهي في الانجليزية ب ism)الراديكالية – الأصولية –التطرف – الارهاب – الاسلاموية terroism-Islamism-radicalism-fundamentalism-extremism وكلها عائدة على الاسلام .(2) (الجارديان 19-10-2007)وهذه المصطلحات كلها تستخدم كلعبة للتلميح ضد الاسلام ولتخويف الشعوب الاوربية منه , أي انها ترسخ ميول واتجاهات وقيم معادية للإسلام والمسلمين . بالرغم من ان المسلمين جزء لايتجزأ من واقع اوربا , ومن حقهم أن يمارسوا صلواتهم في أماكن لائقة على عكس ما يفعلونه الآن حيث تقام الصلوات في الشوارع وأمام بعض المحلات وفي مواقف السيارات المغطاة والمصانع القديمة او بعض الشقق الضيقة .
إن أسلمة اوربا أكذوبة كبيرة تروجها الأحزاب اليمينية في لعبة الانتخابات وتتاجر بها بعض الأبواق الإعلامية .
ولا شك ان بعض الحكومات الاوربية تضيق الخناق على المسلمين حيث يظهر ذلك في الجدل الذي يدور بين وقت واخر حول بناء المساجد ومن التقارير الامنية التي تحاول الحكومات من خلالها رصد نشاط المسلمين , كما تخرج بين وقت واخر تصريحات تضر باجواء الحوار والتعايش بين الأديان من ذلك تصريح جورج جاينز فاين السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر اواخر يولية 2007 والتي حذر فيها من "أسلمة اوربا " وشدد على انه يتعين على اوربا الا تتجاهل جهود ادخال القيم الاسلامية في الغرب معتبرا ان هذا من شأنه تهديد هوية القارة المسيحية . ( نشرة ايلاف – 22 ديسمبر الكانون 2009)
ولا تفوت الأحزاب والجماعات اليمينية والمتطرفة فرصة إلا وتنتهزها للتخويف من المسلمين وتصويرهم كأرهابيين وكما ذكرت صحيفة الجارديان البريطانية فقد شهدت الذكرى الأخيرة لهجمات 11 سبتمبر 2001 عدة مسيرات في مدن اوربية نظمها ما يعرف بتحالف " العمل من أجل وقف أسلمة أوربا " للمطالبة بوقف هجرة المسلمين إلى دول القارة الأوربية .
والمسلمون يعانون كثيرا من الظلم والتمييز ,
واسلمة اوربا اكذوبة تدحضها الحقائق العلمية والاحصاءات لعدة اسباب اولها أن المهاجرين الذين تقدر اعدادهم بالملايين ليسوا كلهم مسلمين بل أن اكثر من 65% منهم غير مسلمين وهؤلاء لاتثار بشأنهم الإشكاليات ولا يوصمون بالتطرف الذي يوصف به المسلمون , وفي اوربا وكندا والولايات المتحدة مهاجرين من كل أصقاع الأرض ومن كل الأعراق والأجناس فطبقا للإحصاء السكاني لعام 2001 الذي قامت به احصائيات كندا فهناك 34 مجموعة عرقية في كندا تضم كل واحدة منها على الأقل مائة الف عضو , ومن تلك المجموعات هناك عشر مجموعات تضم اكثر من مليون شخص ومنها المجموعة الاسيوية التي تشكل 16.2%من مجموع السكان منها اسيويين جنوبيين بنسبة 4 %وصينيين بنسبة 3.9%وفلبينيين بنسبة 1.1% وباقي للاعراق الاسيوية تشمل النسبة الباقية . وفي كندا مهاجرون اوربيون كثر منهم 10.8% ألمان و 4.63%ايطاليون و3.87 % اوكرانيون و 3.87 هولنديون و 3.15 % بولنديون و 1.6 روسيون و 1.38 %نرويجيون و 1ز32 % برتغاليون و 1.07% سويديون , وفي عام 2007 استقبلت كندا نحو 237 الف مهاجر من جنسيات مختلفة ( شبكة النبأ المعلوماتية 6-4-2006 ) جاءت من الولايات المتحدة الامريكية والصين والفلبين وباكستان والهند وبريطانيا وايران وكوريا الجنوبية وفرنسا ورومانيا وروسيا ودول أخرى . فالهجرة ظاهرة عالمية لاتتوقف تزداد وتائرها أحيانا وتنخفض في أحايين أخرى طبقا لعوامل الطرد والجذب , ولا يمكن لبلد ما ان تحكم اغلاق حدودها بالكامل خاصة في عصر العولمة والفضاءات المفتوحة .
واذا تفحصنا حركة الهجرة في اوربا نجدها نشيطة فقد استقبلت اوربا في عام واحد من الخارج وفيما بينها ملايين المهاجرين وهؤلاء المهاجرون ليسوا جميعا من خارج القارة الاوربية بل إن معظم هذه الهجرات هي من دول اوربية الى دول اوربية اخرى فقد هاجر من بريطانيا الى اسبانيا نحو 700 الف بريطاني وهاجرت اعداد كبيرة من اوربا الشرقية الى دول اوربا الغربية او الى دول الاتحاد الاوربي بالاحرى كما تتفاوت البلدان الاوربية في استقبال المهاجرين وتاتي اسبانيا في مقدمة الدول المستقبلة للمهاجرين الافارقة وذلك بسبب قربها من افريقيا وبسبب مستعمرتيها المغربيتين سبتة ومليلة ومستعمراتها الاخرى في جزر الكناري وطبقا لمكتب الاحصاء الاوربي يوروستات فان الاقتصاد الاسباني اسهم في توفير مايزيد عن نصف اجمالي الوظائف الجديدة في اوربا على مدار الخمس سنوات الماضية وهو ما ساعد اسبانيا في استقبال اعداد كبيرة من المهاجرين , وفي عام 2005 دخل الاتحاد الاوربي 1.8 مليون مهاجر مثلوا نحو 85 % من النمو السكاني الكلي في اوربا وفي عام 2004 بلغ عدد المهاجرين الى فرنسا 140.0333شخص وكان من بين هؤلاء 90.250 من افريقيا و13.710من اوربا وفي عام 2005 انخفضت اعداد الهجرة الى فرنسا انخفاضا طفيفا حيث وصلت 135.890شخصا وفي السنوات الاخيرة مثلت الهجرة اكثر من نصف النمو السكاني في النرويج وفي عام 2006 سجل مكتب احصاء الهجرة في النرويج 45.800مهاجر وهو معدل اعلى بنسبة 30% عن العام 2005 وفي بداية 2007 كان هناك 415.300 شخص في النرويج له اصول مهاجرة ومتلت هذه الفئة 8.3 %من جملة السكان .
وقد انهالت دول اوربا الشرقية على دول الاتحاد الاوربي وعلى غيرها فبعد انضمام بولندا للإتحاد في عام 2004 هاجر في بداية العام 2007 أكثر من 375 ألف مهاجر بولندي إلى المملكة المتحدة بالرغم من وجود نحو 500 الف بولندي يعملون بالفعل في بريطانيا قبل هذا التاريخ , وما ينطبق على بريطانيا ينطبق على دول الاتحاد الاوربي الأخرى .
والمهاجرون هم بلاشك وقود النمو السكاني الذي ربما سيخلص أوربا من الإنقراض أو على الأقل سيحافظ عليها كمجتمعات متماسكة ومحتفظة بهويتها , فمعظم دول اوربا تعاني إما من حالات جمود سكاني وإما من نقص حاد في معدل الزيادة الطبيعية نتيجة لضعف الخصوبة واسباب أخرى , كما يحافظ المهاجرون على معدل نمو اقتصادي مقبول لدول الاتحاد , خاصة وأن الهرم السكاني الأوربي يزداد سمكا عند قمته بزيادة أعداد المعمرين الذين يستهلكون ولا ينتجون . وستظل هذه المشكلة قائمة حنى ولو تم رفع سن التقاعد الى 70 سنة لأن العمر المتوقع عند الميلاد هو الآخر ارتفع وسيرتفع الى اكثر من ثمانين عاما .
ومصادر الامم المتحدة تتوقع بالفعل ان يكون المهاجرون مصدر اي نمو سكاني تشهده معظم الدول المتقدمة وخاصة في اوربا على مدى الاعوام الثلاثين القادمة (المصدر : تقرير الأمم المتحدة للسكان )
وهذا ما جاء في تقرير ادارة السكان بالأمم المتحدة , وحسب تقديرات الأمم المتحدة فإن معدل النمو في المانيا فيما بين (2005 – 2010) (-0.07) وبلغاريا (-0,72)واوكرانيا (-76,.)وجورجيا (-97,.)والتشيك (-0,03)وايطاليا (13, 0 )وهولندا (29,.) وفرنسا (0,49) وواضح من هذه الارقام ومن باقي الأرقام أن المهاجرين الى اوربا ليسوا كلهم مسلمين بل إن الاكثرية الكاثرة من غيرهم وأن اوربا الشرقية لن تكون قادرة على مد اوربا باليد العاملة اللازمة للحفاظ على معدل نمو مستمر بسبب انخفاض معدلات النمو السكاني فيها , واذا اخذنا في الاعتبار ازدياد اعداد المعمرين فإن الحاجة الى المهاجرين الذين هم في سن العمل تبقى ملحة وقد اظهرت استطلاعات الرأي العام أن نسبة كبيرة من الرأي العام الاوربي يتفق مع الحكومات على ضرورة استقبال المهاجرين للحفاظ على النمو السكاني الاوربي وعلى النمو الاقتصادي كليهما . والسؤال الذي يطرح نفسه هو : اذن ماهي المشكلة ؟
تكمن المشكلة في الهجرة من الدول الاسلامية , فقد ربطت الجماعات الاوربية اليمينية والمتطرفة بين المسلمين والارهاب , فأطلقت هذه الجماعات والأحزاب فزاعة الخوف من الاسلام والمسلمين وربطت بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر وبعض تفجيرات القاعدة وغيرها من الحركات المتطرفة التي لاتخلو ديانة من مثلها وبين المسلمين مطبقة نظرية الارتباط الشرطي , فرؤية مسلم في شوارع أوربا معناه توقع عمل ارهابي , وشعور بالخوف , وهكذا نجحت الجماعات اليمينية في تطبيق النظرية وتعميم النظرة , فكل مسلم مهما كان وديعا إنما هو ارهابي راهن أو مشروع إرهابي قادم , ولا ينبغي بالتالي أن ينظر إليه كجزء من المجتمع الاوربي لابد أن يكفل له المجتمع حرية المعتقد وحرية التنقل وحرية التعبير الخ شأنه في ذلك شأن باقي أفراد المجتمع .
وتعد أسلمة اوربا احدى أهم المخاوف التي تشغل الرأي العام الأوربي بسبب ما تروجه وسائل الأعلام التي تمتلكها الجماعات اليمينية والمراكز البحثية الصهيو اوربية والتي يهمها اساءة العلاقة بين المسلمين الأوربيين وغيرهم من المواطنين الآخرين , وإذا أخذنا بريطانيا مثلا على ذلك فإننا نجد بها أكثر من منظمة تحريض ضد المسلمين ودينهم ووجودهم وتتخذ من اسلمة اوربا فزاعة تثير بها الراي العام ضد المسلمين ومساجدهم وتجمعاتهم ويكاد لايخلو بلد اوربي من جماعات او منظمات يمينية أو قومية معادية للمسلمين , ففي بريطانيا هناك رابطة الدفاع عن اللغة الانجليزية " و" منظمة وقف أسلمة اوربا " والحزب القومي البريطاني " , وهذه المنظمات او الجماعات تتعمد مهاجمة المسلمين واثارتهم لتمارس ضدهم العنف مستعينة ببعض شرائح المجتمع الانجليزي ففي الذكرى الثامنة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر , تظاهر المئات من انصار المنظمات المذكورة أمام مسجد هارو غربي لندن ضد ما أسموه " أسلمة بريطانيا " رافعين أعلام بريطانيا وامريكا وإسرائيل , وازاء ذلك سارع المسلمون بالتجمع في المسجد للإحتجاج على العنصرية والفاشية فوقعت الاشتباكات بين الفريقين , وقد توسعت هذه الجماعات في تحركاتها العنصرية حيث لم تعد تقتصر على التظاهر وإنما امتدت لتشمل مهاجمة محال للمسلمين من أصول باكستانية وآسيوية , وتحطيم نوافذ السيارات وتهديد المارة , وتعبئة مشجعي كرة القدم الانجليزية المشاغبين ( الهوليجانز ) وتهييجهم ليمارسوا العنف ضد المسلمين . ولا تقتصر فزاعة اسلمة اوربا على المنظمات والجماعات والاحزابي اليمينية والقومية بل ترتفع أصوات كنسية ذات تأثير كبير لتخوف المجتمع الأوربي من " الأسلمة " ففي مقابلة مع مجلة زودويتشة تشايتونج الألمانية أعرب جيورج جاينز فاين السكرتير الخاص لبابا الفاتيكان عن رفضه لأسلمة أوربا , وأضاف بأن اوربا لا ينبغي أن تتجاهل المحاولات الرامية لإدخال القيم الاسلامية لأن من شأن ذلك تهديد هوية القارة . وهناك في اوربا اليوم من لا يؤمن البتة بإمكانية اندماج المسلمين في مجتمعاتهم ويعتبرون الاسلام من أكبر العوائق التي تحول دون ذلك , ويحلو لهؤلاء استخدام تعبير ديجول الذي يقول بأن دمج المسلمين في فرنسا يشبه دمج الخل بالزيت , فمهما رججنا الزجاجة فسيبقى الخل على ماهو عليه وسيبقى الزيت على ماهو عليه ( عن كتاب – هكذا كان ديجول – لبيير لافيت ج 1 ايفان رفبول – الفيجارو الفرنسية ) , فمثل هذه التوجهات والممارسات والتصريحات مع احداث الحادي عشر من سبتمبر وما يقوم به المتطرفون المسلمون – كل ذلك يؤجج العداء ضد المسلمين ويطرح بشدة موضوعة أسلمة أوربا والسؤال الذي يطرح نفسه : هل سيحول المسلمون اوربا إلى الاسلام ؟ وبتعبير آخر هل الأسلمة حقيقة أم أكذوبة ؟
القسم : - الزيارات : [3165] - التاريخ : 20/7/2010 - الكاتب :