القدس بين رجب وشعبان
عبد العزيز الكحلوت
القدس حبة القلب و وقرة العين , اليها يرنو المسلمون في اقاصي الارض وادانيها كلما مرت الايام , وكرت السنين , وهاجت الذكرى , فيحلمون بيوم يجيء تتحرر فيه من براثن الاحتلال الصهيوني الغاشم , فهي اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين , اليها تشد الرحال , واليها تهفو النفوس , وتتطلع القلوب .
في كل عام تمر على المسلمين ذكرى الاسراء والمعراج فى رجب فيشتد الحنين الى الاقصى , ويقوى الامل في انجاز النصر المبين , ويتسامق الحب ويكبر , فالقدس صفوة البلاد وحبها الكبير من حب مكة والمدينة وهي ارض المحشر والمنشر , بارك الله فيها , وفيما حولها (سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من اياتنا انه هو السميع البصير ) (1)
اليها اسري بالنبي صلى الله عليه وسلم ومنها انطلقت رحلة المعراج , حيث امتدت يد الخالق الباريءلترفع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وتمجده , وتطلعه على ملكوت السموات والارض , وتريه الايات الكبرى دون ان يزيغ البصر او يطغى , ولتعلمنا ان النصر مع الصبر وان الحق منتصر على الباطل مهما بلغت المعاناة واشتدت الازمات فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم سيد الانبياء وامام المرسلين تعرض لسلسلة من الشدائد والازمات والالام فتكالب عليه المنكرون والجاحدون وحاصروه مع قومه في الشعب زمنا ومات عمه ابي طالب ثم ماتت زوجته خديجه الزوجه الرحيمه الحنون التي واست وعاونت ونصرت ، فاستحق عام وفاتهما ان يسمى عام الحزن وبوفاتهما انفجر طواغيت الشرك وتمادى الطغاه والظلام ّ فخرج صلى الله عليه وسلم اللي الطائف لعله يجد من يستمع اليه فلعل في اهلها قلوبا ترق ، او افئدة تلين ، ولكن الكفر كله ملة واحدة واحدة ، فلم يجد سيدنا محمد صلي الله عليه وسلم الا قلوبا قاسيه واذانا صما ، فعادا جريحا مهموما مملوءا بالاحزان والالام ، ولسانه يردد من الاعماق (الله اليك اشكو ضعف قوتي ،وقلة حيلتي وهواني علي الناس ، يارب العالمين ، انت ارحم الراحمين ، وانت رب المستضعفين ، وانت ربي ، الي من تكلني ؟ الى بعيد يتجهمني أم الي عدو ملكته امري ،ان لم يكن بك غضب علي فلا ابالي ، غير ان عافيتك هي اوسع لي ، اعوذ بنور وجهك الذي اشرقت له الظلمات ، وصلح عليه امر الدنيا والاخرة ، ان يحل علي غضبك ، او ينزل بي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة الا بك )(2)
فالاسراء والمعراج وعد صادق ومستمر ودائم لكل المستضعفين في الارض وعودتنا المظفره الي الاقصى والقدس قادمه لا محاله بعون الله ومدده ولو كره المجرمون والظالمون .
(ونريد ان نمن علي الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم ائمه ونجعلهم الوارثين )(3)
ويجيئ شهر شعبان بعد رجب ليؤكد اهميه الاقصى والقدس في وجدان المسلمين ، واهمية تحريرهما من ايدي الغاصبين ، ففي هذا الشهر يتذكر المسلمون ان الاقصى كان قبلتهم الاولى وقد وقع حادث تحويلها الي المسجد الحرام في شهر شعبان ، فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم والمسلمون معه يتجهون الي المسجد الاقصى في صلاتهم وذلك بعد الهجرة الي المدينه فقد ثبت ان النبى صلي الله عليه وسلم ظل يستقبل بيت المقدس في صلاته ستة عشر شهرا او سبعة عشر شهرا (4) .
وقد وردت احاديث كثيرة بخصوص تحويل القبلة من بيت المقدس الى البيت الحرام و واهم ما جاء بها ان رسول الله صلى الله عليه وسلم ( 5) امر باستقبال الصخرة من بيت المقدس فكان بمكة يصلي بين الركنين فتكون بين يديه الكعبة وهو مستقبل صخرة بيت المقدس , فلما هاجر الى المدينة تعذر الجمع بينهما , فأمره الله بالتوجه نحو بيت المقدس , وذلك بعد قدومه صلى الله عليه وسلم الى المدينة و واستمر على هذا الحال كما تقول ارجح الروايات نحو ستة عشر شهرا او سبعة شهرا و وكان قلبه صلى الله عليه وسلم يرنو الى الكعبة ويتطلع اليها , فدعا الله ان يوجه الى الكعبة التي هي قبلة ابراهيم عليه السلام و فأجاب الله دعوته وأمره بالتوجه الى البيت العتيق ( قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولنيك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره وان الذين اوتوا الكتاب ليعلمون انه الحق من ربهم وما الله بغافل عما يعملون )(6)فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس وأعلمهم بذلك , وكانت اول صلاة صلاها اليها هي صلاة العصر في ارجح الروايات و ولما حدث ذلك سرى الهمز واللمز وتطاول اليهود واهل النفاق والشرك وراحوا يشككون وينفثون السموم وقالوا ( ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) فكان الرد الالهي الشافي والكافي والمخرس لاصوات العابثين والمشككين والمتربصين ( قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء الى سراط مستقيم ) (7). كان التحول الى البيت العتيق لحكمة عظيمة وهي اختصاص المسلمين بقبلة خاصة بهم يتجهون اليها في صلواتهم وهو تاكيد على حقيقة ان البيت العتيق قد رفع قواعده ابراهيم واسماعيل ليكون خالصا لله وليكون تراثا للامة الاسلامية التي نشات تلبية لدعوة ابراهيم عليه السلام ( ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا امة مسلمة لك وارنا مناسكنا وتب علينا انك انت التواب الرحيم) ( 8) في ايجاد ها وبعث رسول منها ( ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلو عليهم اياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم انك انت العزيز الحكيم ) ( 9) واذا كان المسلمون قد اتجهوا فترة من الزمان الى المسجد الاقصى فقد كان ذلك لحكمة خاصةلعل من بينها التاكيد على وحدة الديانات السماوية ولعل من بينها التذكير باهمية القدس ومكانتها لدى المسلمين ولقد شاءت ارادة المولى تبارك وتعالى ان تتحول القبلة الى بيت الله الحرام وهو اول بيت وضع للناس واول ماظهر من الارض حين كانت المياه غامرة لكل اليابسة وهي فضلا عن ذلك مركز الارض وبذلك خص الله المسلمين بوراثة الدين ووراثة القبلة وخصهم بهذا الفضل العظيم . فالاسلام هو اخر الديانات السماويه والمعقب عليها منهجه كامل وشامل ودعوته دعوة حب وسلام , ودعوة عدل ومساواة .
واذا كان الله سبحانه وتعالى والحالة هذه قد خص المسلمين بالبيت العتيق وجعله قبلتهم الدائمة فان المسجد الاقصى يبقى ملْ القلوب والابصار لايفتر حبه ولا يضعف العزم في تحريره من ايدي الغاصبين ويبقى وجوده او عدم وجوده بين ايدي المسلمين مؤشرا على مدى قوة اوضعف المسلمين وعسى ان يكون تحريره قريبا لنعيش ذكرى رجب وشعبان فى اجواء الفرح والسرور وليتجدد العهد والوعد بالوحدة والنصر .
عبد العزيز الكحلوت
القسم : - الزيارات : [2832] - التاريخ : 18/7/2010 - الكاتب :