يبدو أن شهر العسل الذي ساد العلاقات الأمريكية الإيرانية منذ توقيع الإتفاق النووي قد انتهى فقد اتخذت إدارة ترامب من تجربة الصاروخ الباليستي الإيراني الأخيرة ذريعة للبدء في حقبة جديدة من العلاقات المتوترة التي قد تفضي إلى حرب بينهما . البيت الأبيض فرض في الثالث من فبراير 2017 عقوبات جديدة على 25 شخصية وشركة إيرانية بسبب دعمهم لبرنامج طهران الصاروخي وهم بحسب بيان وزارة الخزانة الأمريكية منتشرون في إيران والصين ومنطقة الخليج العربي ولبنان وأعضاء في الحرس الثوري الإيراني ومن المتوقع أن تدرج الولايات المتحدة الحرس الثوري الإيراني الذي يمسك برقبة الإقتصاد الإيراني في قائمة التنظيمات الإرهابية. إدارة ترامب الجديدة التي حذر مستشارها الأمني مايكل فلين ايران من عواقب سلوكها العدواني ــ أدركت مدى ما لحق مكانة الولايات المتحدة من ضرر في الشرق الأوسط بعد تعاظم الدور الإيراني فيه وأرجعت هذه الإدارة السبب في ذلك إلى الإتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع ايران وعدّه أهم إنجازاته وأراد أن يظل مقرونا باسمه على مدار التاريخ فهذا الإتفاق كما قال جاي سولومون كبير محرري صحيفة وول ستريت جورنال في كتابه حروب إيرانThe Iran wars ألزم الولايات المتحدة خلال المفاوضات السرية بإلتزامات عدة من بينها الحفاظ على النظام الإيراني بعدم التعاطف مع الحركات الشعبية والأحزاب المعارضة له أوتقديم العون له و إطلاق يد ايران وميليشياتها لتمد هيمنتها ومشروعها الى البحر الابيض عبر العراق ولبنان وسوريا والإمتناع عن توجيه أي ضربات لنظام الأسد والإفراج عن أرصدتها ولعل هذا ما دفع ترامب إلى القول بأن اوباما أهدى طوق النجاة لإيران حين أفرج عن 150 مليار دولار كانت مجمدة وأطلق يدها في العراق لتسيطر على نفطه رغم أن الولايات المتحدة أنفقت بحسب قوله 3 تريليونات دولار لاحتلاله والقضاء على نظامه فالتدفقات النقدية التي تحصلت عليها طهران نتيجة لرفع العقوبات انفقتها الحكومة الإيرانية التي يسيطر عليها آية الله خامنئي والحرس الثوري على الإرهاب من خلال " إقامة هلال شيعي يمتد من الحدود الأفغانية إلى البحر المتوسط " بواسطة فيلق القدس والميليشيات الطائفية التي قام بتدريبها ويشرف عليها ويديرها حتى الآن . ولذلك اعتبرت إدارة ترامب إيران راعية للارهاب والاتفاق النووي سيئا للغاية وهي اليوم بصدد تقييمه وترى أن سلوك إيران العدواني ازداد بعده وأدى إلى زعزعة استقرار الشرق الأوسط واختلال التوازنات فيه لصالح إيران ومشروعها الأمر الذي حمل وزير الدفاع جيمس ماتيس إلى القول "إن ايران هي اكبر دولة راعية للارهاب في العالم " وجاء العدوان على الفرقاطة السعودية ليعيد الى الذاكرة الامريكية العدوان على المدمرة كول و ليصب الزيت على النار فقد قالت مصادر من البنتاجون لقناة""Fox Newsإن الحوثيين استهدفوا الفرقاطة السعودية ظنا منهم أنها أمريكية وكان الحوثيون قد هاجموا في اكتوبر الماضي السفينة الأمريكية مايسون دون وقوع أضرار أو إصابات . الإدارة الأمريكية الجديدة باتت على قناعة تامة بأن إيران صانعة للإرهاب ومصدره له عبر حلفائها لذلك فإنها اليوم تدشن سياسة جديدة ازاء ايران مختلفة تماما عن سياسة سلفه اوباما فكل الخيارات على الطاولة كما قال ترامب نفسه بما يعني أن الخيار العسكري ليس مستبعدا بل ويرى كثير من الجمهوريين أن حذف الخيار العسكري عن الطاولة أدى إلى " إذلال أميركا وخلع الهيبة عنها كدولة عظمى " . والسؤال الذي يطرح نفسه هو هل التجربة الصاروخية الإيرانية والعدوان على الفرقاطة السعودية هما وراء التصعيد الأمريكي ضد طهران؟ وهل خالفت إيران بحق الإتفاق النووي بإجرائها لتجربتها الصاروخية ؟ وإذا كانت الإجابة بالنفي فماهي الدوافع الحقيقية لهذا التوتر في العلاقات الأمريكية الإيرانية ؟أجابت على جزء من هذه الإسئلة مجلة فورين بوليسي الأمريكية فذكرت أن إدارة الرئيس دونالد ترامب بدأت خطوات تصعيدية ضد ميليشيات الحوثيين المدعومة من إيران في اليمن كجزء من خطة أوسع لمواجهة طهران عبر استهداف حلفائها أولا وبالتالي فإن إيران باعتبارها راعية للإرهاب عبر وكلائها وميليشياتها باتت محل انتقاد ليس من العرب وحدهم بل من الولايات المتحدة وأوربا واسرائيل أيضا ويعتقد جيمس ماتيس وزير الدفاع الامريكي أن داعش هي "الذريعة الإيرانية في المنطقة " أي فزاعة ووسيلة بيد ايران تحقق بها مآربها ويستدل على ذلك بأنها الدولة الوحيدة التي لم تؤذها داعش بأي عمل إرهابي داخل أراضيها ويرى أيضا أن إيران أشد خطرا من تنظيمي القاعدة وداعش ففي محاضرة له قبل تعيينه وزيرا للدفاع قال في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن " إن نظام الملالي في ايران أكثر الأخطار التي تهدد الاستقرار والسلام في الشرق الأوسط ديمومة. " وفي سياق كون إيران راعية للإرهاب جاء النظرإلى تجربة الصاروخ الباليستي خرم شهر فرغم فشل تجربته بعد انطلاقه لمسافة 1013 كم إلا نجاح تطوير الصواريخ الباليستية الى نحو 6000 كيلو متر في المستقبل يشكل أمرا في غاية الخطورة على أوربا والعالم كما أن الصواريخ الباليستية خطر في حد ذاتها باعتبارها الأداة التي يمكن أن تحمل رؤوسا نووية وهو أمر أقلق الغرب كله ولذلك قالت الفورين بوليسي في تقريرها إن النقاش الدائر في داخل الإدارة الأمريكية منصب الآن على توجيه ضربة قوية ضد إيران في اليمن وفي هذا السياق تتواجد المدمرة كول قبالة الساحل اليمني لحماية حرية الملاحة في مضيق باب المندب وإحكام الرقابة على الحوثيين وتدرس الإدارة الامريكية كذلك خطوات أخرى من بينها زيادة عدد ضربات الطائرات (درونز) وإرسال مستشارين عسكريين لمساعدة القوات الحكومية اليمنية وربما تنخرط في شكل مباشر في قتال الحوثيين إلى جانب حليفيها السعودي والإماراتي كما اشار احد مستشاري ترامب . التجربة الصاروخية الإيرانية لا تنقض الإتفاق النووي لأنها كانت محظورة في قرار مجلس الأمن رقم 1929 الصادر في10يونية 2010 لكن مجلس الأمن أصدر قرارا ثانيا في يولية 2015 تحت رقم 2231 فصَل فيه بين البرنامج النووي وبرامج تطوير الصواريخ فبينما منع الأول إيران من تطوير الصواريخ اكتفى الثاني بحثها على الامتناع عن إطلاق صواريخ بالستية قادرة على حمل رؤوس نووية والفرق كبير بين المنع الصارم ومجرد الحث وربما أدركت إدارة ترامب هذا الخلل وارادت كماقالت صحيفة معاريف الاسرائيلية في عددها المؤرخ في 5/2/2017 ان تعالج هذا القصور بردع إيران وتقليم أظافرها بعمل يأتي من قبلها لا من قبل المجتمع الدولي تداركا لهذا القصور .
ويبدو كماهو متوقع من لهجة الإدارة الأمريكية أنها قررت التخلي عن سياسة أوباما اللامبالية في الشرق الأوسط وتجديد العهد مع حلفائها العرب والإتراك أولا للقضاء على الحلم الأمبراطوري الساساني المتخفي تحت ثوب نظام ولاية الفقيه بتحجيم دور إيران في المنطقة بالقضاء على وكلائها وبحرمانها من المدى الحيوي الذي أحاطت به نفسها فهي كما قال أحد قادة الحرس الثوري تقاتل على بعد ألفي كيلومتر من حدودها وتهيمن على أربع عواصم عربية وثانيا لإقامة مناطق آمنة داخل سورية وفي المناطق المجاورة لها مما يمهد الطريق كما قالت صحيفة وول ستريت جورنال لتدخل عسكري أمريكي ويخلخل التحالفات القائمة فروسيا كما ايران أعربتا عن قلقهما من فكرة المناطق الآمنة فزعمت روسيا أن فكرة المناطق الآمنة فشلت في ليبيا بينما اعتبرتها ايران انتهاكًا سافرًا لسيادة الدّولة السورية وتهديدًا مباشرًا لوحدة وسلامة أراضيها أما الأسد فادعى أنه مع فكرة الوطن الآمن لا مع فكرة المنطقة الآمنة وهي كلمة حق أريد بها باطل فطالما بقيت روسيا وقواعدها وايران وميليشياتها والأسد وشبيحتة فلن يكون هناك وطن آمن ولو كان الوطن امنا لما فرت منه الملايين ولوكان الوطن آمنا لما حول الأسد سجن صيدنايا إلى مسلخ ذبح فيه 13 ألف بريء وعلى العكس من هذه المواقف رحبت كل من تركيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج بالفكرة وجرى التنسيق في هذا الصدد مع أمريكا من خلال اتصال هاتفي بين ترامب والملك سلمان وأدى مدير المخابرات الأمريكي الجديد زيارة إلى أنقرة لهذا الغرض وانبثق مجلس تنسيقي بين الرياض وأنقرة .
ولاشك أن أياما صعبة سيعيشها النظام الإيراني كما توقع وزير خارجيتها محمد جواد ظريف لا أياما سهلة كما زعم آية الله خامنئي فهذا التغير الدراماتيكي في السياسة الامريكية حيال ايران نشر الهلع بين صفوف المسئولين الإيرانيين والعراقيين والسوريين وبالرغم من عبارات الموت لامريكا التي هتف بها المحتفلون بالذكرى الثامنة والثلاثين للثورة الايرانية وتهديد المسئولين الايرانيين للولايات المتحدة الا أن هذه التهديدات التي صاحبت الاحتفالية ليست إلا شعارات تتكرر منذ اندلاع الثورة ولم يتحقق منها شيء ومنها تهديد ايران بقصف 36 قاعدة عسكرية أمريكية واقعة تحت مرمى الصواريخ الإيرانية . وأيا كانت تطورات العلاقات الأمريكية الإيرانية فإننا كعرب وأتراك ينبغي أولا أن ننسق فيما بيننا في مواجهة الإرهاب في سوريا وغيرها وثانيا مع ادارة ترامب بحيث لا ننساق وراء السياسة الأمريكية حتى تنجلي الأمور ولا ينبغي أن يغيب عن أفهامنا ذلك الخداع الذي مارسته علينا إدارة أوباما طيلة السنوات الثماني الماضية كما ينبغي ألا يغيب عن أذهاننا حجم العداء الذي تكنه إدارة ترامب للإسلام والمسلمين وربما كان الهدف من هذه المواجهة المحتملة جر العرب والأتراك والإيرانيين إلى حرب استنزاف طويلة لا ينتصر فيها أحد خاصة وأن بلادنا ومياهنا ستكون ساحة للحرب على إيران ووكلائها وميليشياتها الطائفية وربما يكون الهدف من كل هذه التصعيدات والتوترات استنزاف الجميع لصالح اسرائيل والولايات المتحدة ومشروع سايكس بيكو جديد في المنطقة وأخيرا فإن هذه التهديدات الأمريكية لن تكون إلا زوبعة في فنجان وجعجعة بلاطحين فالعداء الأمريكي للعرب أكبر منه لإيران ولدى الأخيرة ما يجعل الولايات المتحدة تفكر ألف مرة قبل أن تقدم على حرب في الشرق الأوسط.
عبدالعزيز الكحلوت
القسم : كتاب الاسلام والثروة - الزيارات : [656] - التاريخ : 14/3/2017 - الكاتب : عبدالعزيز الكحلوت