من أفشل اتفاق الصخيرات ؟
عبد العزيز الكحلوت
تأتي محاولة اغتيال فايز السراج في طرابلس في العشرين من فبراير 2017 والاشتباكات الدموية التي جرت بين ميليشيات حكومة الانقاذ وحكومة الوفاق الوطني بعد أيام من هذه المحاولة والمعارك المتواصلة بين سرايا الدفاع عن بنغازي وقوات حفتر في الهلال النفطي كدليل على تعثر الحلول السياسية للأزمة الليبية فعلى الرغم من جولات الحوار المتكررة في تونس والقاهرة إلا أن الأزمة الليبيبة لم تتقدم في اتجاه الحل بل تؤكد الأحداث مضيها نحو التعقيد وبحسب تقرير مسرب حول الأوضاع في ليبيا من قبل خدمة العمل الخارجي في بروكسل فإن الإتحاد الأوربي بات بصدد مراجعة خيارات الإتحاد الأوربي ازاء حكومة السراج ليس بسبب تردي الأوضاع في ليبيا ووجود نحو 1500 ميليشيا تتنازع السيطرة على البلاد أوعدم وجود سلطات شرعية تمتلك سيطرة فعلية على مختلف مؤسسات البلاد فحسب وإنما لدخول عوامل جديدة في الأزمة الليبية منها انتظار وضوح موقف الولايات المتحدة من الأزمة الليبية وأطرافها وما ستسفر عنه الجهود المصرية الجزائرية ــ التونسية في هذا الصدد وأخذا في الإعتبار التقارب الحاصل بين روسيا والمشير حفتر المسيطر على شرق البلاد والموانيء النفطية والمؤيد من برلمان طبرق . بعثة الأمم المتحدة هي الأخرى حذرت من انهيار الوضع الليبي وصعوبة التوصل إلى تفاهمات بين الفرقاء الليبيين بسبب تعنت الميليشيات ووجود ثلاث حكومات في البلاد حكومتان في طرابلس هما حكومة السراج وحكومة المؤتمر الوطني إلى جانب حكومة ثالثة تابعة لبرلمان طبرق في شرق البلاد وقد أقر كوبلر شأنه في ذلك شأن الأوربيين بتردي الاحوال المعيشية وبصعوبة إجراء مصالحة ليبية وبتدني تاييد الليبيين لحكومة الوفاق الوطني ودعا الى أن يكون العام الحالي "عام القرارات لتشكيل جيش وشرطة موحدين وعام تعديل الاتفاق السياسي" والسؤال الذي يطرح نفسه بعد نحوعام من ممارسة حكومة السراج لمسئولياتها في طرابلس وبعد أكثر من عام على إبرام اتفاق الصخيرات ــ هو : من الذي أفشل اتفاق الصخيرات وأفشل حكومة السراج ؟
تؤكد قراءة متأملة لتطورات المشهد الليبي أن ثمة أكثر من سبب أدى إلى هذا الفشل ولعل أول هذه الأسباب ما تضمنه اتفاق الصخيرات نفسه من مواد مثيرة للجدل وباعثة على الانقسام فالمادة 13 منحت مجلس نواب طبرق المنتخب في يونيو 2014 حق "منح الثقة لحكومة الوفاق وسحبها " أي أنه علق شرعيتها ثم استمرارها على نيلها لهذه الموافقة من هذا البرلمان الذي بدوره رفض منحها هذه الثقة مرتين وانحاز إلى حفتر قائد عملية مايسمى بالكرامة وجاءت المادة الثامنة من اتفاق الصخيرات مثيرة للجدل وعلى غير هوى بعض اعضاء برلمان طبرق لأنها نصت على "نقل كافة صلاحيات المناصب العسكرية والأمنية العليا إلى مجلس رئاسة الوزراء في حكومة الوفاق فور توقيع الاتفاق " ولذا طالب فريق من برلمان طبرق بسحب هذا الإختصاص من مجلس رئاسة الوزراء في حكومة الوفاق وإسناده إلى البرلمان بينما طالب فريق آخر مؤيد للحكومة ببقاء صلاحيات القائد الأعلى للجيش بيد المجلس الرئاسي كما نصت المادة نفسها على "جعل صلاحيات القائد الأعلى للجيش الليبي بيد مجلس رئاسة الوزراء". مما أغضب النواب الرافضون لحكومة الوفاق وحملهم على القول بأن"هذه المادة وضعت بشكل متعمد في محاولة لتجريد القيادات العسكرية العليا وعلى رأسها خليفة حفتر القائد العام للقوات المسلحة المعين من قبل برلمان طبرق من أي صلاحيات .
أما ثاني أسباب هذا الفشل فتكمن في موقف الدول الكبرى من أطراف النزاع الليبي فهي لم تلق بثقلها إلى جانب حكومة الوفاق الوطني ولم تفرض عقوبات رادعة كافية وحظرا صارما للسلاح على المعوقين لاتفاق الصخيرات بل وقفت بحسب مصالحها فرأينا ايطاليا التي افتتحت سفارتها في طرابلس تقف إلى جانب حكومة الوفاق ولكنها في نفس الوقت أعلنت على لسان وزير خارجيتها انجلينو ألفانو عن رغبتها في اعطاء المشير خليفة حفتر دورا وتواصل الاتصالات به وقال الفانو إن"الاتفاقيات المحتملة بين الجنرال حفتر وروسيا والتقدم الروسي في الساحة الليبية بعد سوريا يدفعنا إلى مزيد من العمل لكي يكون لنا دور قيادي في المشهد الليبي حتى من خلال الحوار مع حفتر".ولا تختلف مواقف الولايات المتحدة وبريطانيا وأسبانيا كثيرا عن الموقف الإيطالي فهي مؤيدة لحكومة الوفاق ومتواصلة مع عدوها اللدود خليفة حفتر أما فرنسا المتمركزة في الجنوب فقد أعلنت تأييدها لحكومة الوفاق في العلن ودعمت حفتر في الخفاء فهذه الدول تأخذ في الإعتبار موازين القوى على الأرض و تضع قدما لدى حكومة الوفاق و أخرى عند حفتر وقد أضعف هذا التردد حكومة الوفاق ومجلسها الرئاسي وشجع قوات حفتر على الاحتفاظ بمنطقة الموانيء والتمدد في الجنوب بمساعدة مرتزقة من حركات تمرّد تشادية وسودانية متواجدة منذ فترة بصحراء ليبيا ولكن سرايا الدفاع عن بنغازي تمكنت من انتزاع منطقة المواني من حفتر الأمر الذي يدل على استمرار الصراع وعدم قدرة طرف على حسمه وهو ما سيزيد من تردد هذه الدول . تردد الولايات المتحدة والدول الغربية في دعم الثورة الليبية يشبه إلى حد ما ترددها في دعم الثورة السورية وأدى بالفعل الى فراغ يمكن لروسيا ان تملأه بمباركة من محورها الإقليمي المكون من دول كمصرو سوريا والعراق وإيران فالدول الكبرى تنتظر الفائز في هذا الصراع ولاتريد الزج بنفسها في أتونه ولا تهمها إلا مصالحها التي تراها في إعادة استنساخ نظام العقيد القذافي ومنع أي تيار إسلامي مهما كان اعتداله من الوصول إلى الحكم وهذا يجعلها أقرب إلى حفتر منها إلى حكومة الوفاق وإن زعمت العكس . إزدواجية المواقف الأوربية ثم قول الأوربيين الآن بأنهم " يواجهون صعوبة في تنفيذ أي تحرك لمساعدة حكومة الوفاق " شجع وسيشجع حفترعلى المضي قدما في مشروعه فكلما تقدم على الأرض توثقت اتصالات الدول الغربية به بل وأضحى بإمكانه ابتزازها بمسألتي الإرهاب والهجرة. زيارات حفترإلى موسكو ومباحثاته مع وزير الدفاع الروسي ثم استقباله على ظهر حاملة الطائرات الروسية الأدميرال كوزنيتسوف عكس بلا شك رغبة الروس أيضا في التدخل في الشأن الليبي تحت عنوان محاربة الارهاب وهو نفس العنوان الذي استخدمته روسيا ذريعة لتدخلها في سوريا وربما يدعم تدخل روسي في ليبيا مواقف روسيا التفاوضية بشأن العقوبات الغربية و احتلالها لشبه جزيرة القرم الأوكرانية فالدول الأوربية تحركها مصالح شركاتها النفطية بأكثر مما تمليه عليها التزاماتها الدولية .
ومن أسباب فشل اتفاق الصخيرات شخصية خليفة حفتر المثيرة للجدل سواء في ماضيها أو في مواقفها الراهنة فتحت قيادته تلقى الجيش الليبي سلسلة من الهزائم أثناء نزاع بلاده مع تشاد على الشريط الحدودي الواقع في منطقة أوزو ونجم عن هذه الهزائم مقتل 6000 ضابط وجندي ليبي وأسر المئات وفقدان المئات من الذين هاموا على وجوههم في الصحراء وقد كان حفتر نفسه من بين الذين أسروا في موقعة وادي الدوم في مارس 1987 بيد انه تمكن من الفرارالى الولايات المتحدة التي احتفظت به الى ان قامت ثورة فبراير 2011 فجاء ليشارك فيها ويطلق عملية الكرامة التي شكل فلول نظام العقيد القذافي نواتها وقد اعترفت صحيفة الواشنطن بوست بأن خليفة حفتر كان عميلا للسي آي إيه ويقف الآن في وجه السلام فقالت "لقد أصبح الجنرال الليبي خليفة حفتر مصدر إزعاج للولايات المتحدة بعد أن كان رجل الـ"سي آي أيه".. وهو الآن الذي يقف في وجه السلام في ليبيا" . حفتر اليوم يعارض أي توافق فهو يضع الجميع في سلة الإرهاب ويتطلع إلى إعادة استنساخ نظام عسكرى شمولي باطش ولذا فهو يعتبر ما عدا جيشه ميليشيات و كيانات إرهابية ينبغي استئصال شأفتها ويتوعد بالزحف غربا حتى طرابلس ويزعم أنه يسيطر على 80% من الأراضي الليبية وهو لا يؤمن بالديمقراطية ولا بالتوافق بين أطياف المجتمع الليبي فقد قال في حديث سابق لقناة ليبية إن الشعب الليبي يحتاج إلى 25 سنة حتى يكون بمقدوره ممارسة الديمقراطية ولذلك رفض منذ تدشينه عملية الكرامة الحوار مع قوات فجر ليبيا وواصل هجماته على على المطارات المدنية والموانيء واستمر في معارضة الاتفاق السياسي ولم ينصت إلى توصيات الأمم المتحدة عندما حاولت إجراء محادثات بين الحكومتين المتنافستين ولايزال يرفض أي حوار مع الفرقاء الليبيين الآخرين بل وينسب إليه محاولة تشجيع حكومة الإنقاذ على زعزعة الإستقرار في طرابلس وضرب حكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج .
ومن أسباب فشل اتفاق الصخيرات تعدد الاحزاب الليبية واختلافها حتى داخل التيار الواحد وكثرة الميليشيات واحترابها والفشل في ضبط أدائها أو في استتباعها لوزارة الدفاع وبحسب صحيفة لاستامبا الإيطالية فهناك ما يقرب من 38 ميليشيا مسلحة تسيطر على العاصمةة طرابلس ثلاثة مؤيدة لرئيس المجلس الرئاسي فايز السراج وثلاثة مؤيدة لرئيس حكومة الإنقاذ خليفة الغويل فيما البقية لها تحالفات متقلبة .
وتعد خريطة التحالفات القبلية من أهم أسباب فشل اتفاق الصخيرات ففي ليبيا 140 قبيلة ومجموعة عائلية لها امتدادات وتداخلات جغرافية داخلية وعابرة للحدود مع دول الجوار وخاصة مع مصر وتونس والجزائر وتشاد بيد أن القبائل التي لها تأثير فعلي لا تتجاوز ال 30 قبيلة وتكتل عائلي وقد غلب الطابع القبلي على المليشيات الموالية لخليفة حفتر كما لعبت القبائل ادوارا سياسية مما حول القبيلة من وحدة إجتماعية إلى وحدة سياسية وبغض النظر عن دوافع هذه التحالفات فمعظم القبائل التي كانت موالية للقذافي انضمت لحفتر ومن هذه القبائل قبائل القذاذفة والمقارحة وورفلة والتبو وهذه الأخيرة لها امتدادات شاسعة في الصحراء الكبرى . وانحازت قبائل الطوارق الى قوات فجر ليبيا الموالية لحكومة الوفاق الوطني والمساندة لاتفاق الصخيرات بسبب عدائها لقبائل التبو الذي استمر لعامين وانتهى بتوقيع الطرفين على اتفاق الدوحة في 23/11/2015 كما انحازت إليها قبائل أولاد سليمان وهي مكونة أساسا من عدة قبائل صغيرة تتركز أساسا في مناطق سرت وفزان ولها فروع في كل من مصر وتونس وتشاد والنيجر وتعد قبائل مصراتة الحاضنة الكبيرة لقوات فجر ليبيا وتتكون من مجموعتين قبليتين هما أهالي و كوراغلية. وتضم قبائل الأهالي 28 قبيلة بينما تضم الكوراغلية 15 قبيلة وفي الشرق اصطفت مع حفتر قبائل العبيدات والمر ابطين والبراعصة والحاسة والفوائد والشواعر. ويكمن خطرهذه التحالفات في امتداد القبائل الليبية إلى دول الجوار فقبيلة التبو المتحالفة مع حفتر تتوزع في الصحراء على أكثر من مليون كم مربع وقبائل أولاد سليمان تمتد إلى مصر وتونس وتشاد والنيجروتمتد قبائل الطوارق من جنوب غرب ليبيا إلى جنوب الجزائر وشمال مالي وشمال النيجر وشمال بوركينا فاسو ولذلك فإن الدول المجاورة مهتمة بالشأن الليبي وبإنجاز توافق بين الفرقاء الليبيين باعتباره الحل الأوحد الذي يجنب الليبيين الإقتتال ويجنب هذه الدول مشاكل هي في غنى عنها . اتفاق الصخيرات الذي صاغته الأطراف الليبية برعاية الأمم المتحدة يعد الخيار الأنسب لحل الأزمة الليبية رغم فشله حتى الآن في إنجاز هذا الحل وتعنت بعض الأطراف ومحاولتها القضاء على منافسيها تحت مسمى مكافحة الإرهاب ـ نتيجته الحتمية احتراب أهلي قد يطول ولن يخرج منه منتصر لذا فليس أمام الليبيين ولا أمام المجتمع الدولي وداعمي الأطراف الليبية سوى الجلوس على مائدة الحوار من أجل إنجاز حل يقبله الجميع وقد أدركت الدول المجاورة والمهتمة بالشأن الليبي كمصر وتونس والجزائر أهمية التوافق بين الجميع فشهدت عواصمها لقاءات وحوارات من أجل رأب الصدع بين الفرقاء الليبيين وتحقيق المصالحة التي لا تقصي طرفا وقد أدركت موسكو هي الأخرى هذه الحقيقة فأجرت في 2/3/2017 حوارا في موسكو مع السراج من أجل مقاربة تكسر الجمود بين حكومة الوفاق والفريق خليفة حفتروتنجزحلا يتسع الجميع ولا يقصي أحدا فليبيا كانت للجميع وستظل للجميع وبالجميع فالتاريخ لا يعود إلى الوراء .
عبدالعزيز الكحلوت
القسم : - الزيارات : [3145] - التاريخ : 14/3/2017 - الكاتب :